كتاب الافتتاحيات

TT

في الطائرة ما بين المنامة والرياض تبدو الرحلة وكأنها رحلة داخلية في افغانستان. وفي الرحلة من لندن الى الكويت يبدو المرء غريبا بين الاخوة المسافرين الى كولومبو. وبعض المقاهي في الخليج يبدو مثل فرع او امتداد لمقاهي الفلبين. ليس في النوادل بل في الرواد. وعنوان المقال الافتتاحي في «الرياض» هذا الصباح: «هل يتحول سكان الخليج الى اقليات في بلدانهم؟». وقد كتبت غير مرة عن حرصي على قراءة افتتاحية «الرياض»، كلما كنت هنا، او كلما تسنى لي ذلك. ومع ان كاتب الافتتاحية لا يوقعها على عادة او تقليد العراقة الصحافية، وبالتالي لا اعرفه، فأن صدر الصفحة الثالثة يوميا هو لكاتب عريق آخر، الاستاذ تركي السديري، الذي لا يكف عن الترقي والتنويع باسلوب جزل يكتب فيه يوما عن فيروز ويوما عن السياسة الاميركية.

واعترف بأنني اشعر بغبطة نفسية حقيقية عندما اقرأ شيئا ممتعا او مفيدا او جميلا في الصحافة العربية. واعتقد ان بعض الكتاب مكسب لبلدانهم وصحفهم وقارئهم. ويعاتبني الزميل الصديق عثمان العمير دائما لانني لا اكف عن ابداء الاعجاب بصحافة مصر وصحافييها، وقال لي في آخر زيارة له الى بيروت انني لم اكتب مرة عن الصحافيين السعوديين وما حققوه وما بذلوه. وقال: ماذا عن تركي السديري؟ وماذا عن هشام ومحمد علي حافظ وسواهما ممن كتبوا صفحات مهمة في تطور الصحافة العربية.

وقلت له، السبب واضح. ولا اريد ان يقال انني اتملق الصحافيين السعوديين. وانها لمناسبة اعترف لك فيها بأنني عشت السنوات الماضية في حرج شديد مع هشام علي حافظ بالذات. فقد كان يقدم لي كتبه مع اهداء يفيض بالمشاعر. وكنت كلما اردت الكتابة عن اصدار جديد له اقول في نفسي انني مهما كنت صادقا فسوف يقول الف منافق ودجال وتاجر حبر، انني اداهن الناشر وستراضيه وكنت افضل ان ابدو قليل الذوق امام الناشر على ان ابدو كثير التملق عند ناشري الاعراض الذين يقيسون كل كلمة تكتب بمقياسهم وينفخون فيها من نفوسهم. وقلت لعثمان انه عندما ترك هشام علي حافظ مسؤوليته في الجريدة غلبت الانانية الصغيرة علي وشعرت بارتياح ورحت انتظر ان يرسل الي كتابه الجديد. لقد اصبحت في حل من امري.

تحكم الكاتب ظروف واحكام كثيرة في كل كلمة يكتبها، وهو اذا انتقد اصحاب الشأن اعيب واذا امتدحهم اثار النفوس الصغيرة واشعل حسدها وافرغ براكين الحقد عليه وعلى من كتب عنهم.

وها انا قد اجبت عن تساؤلات العمير من الرياض، حيث ابدأ يومي بالفائدة السياسية في افتتاحية «الرياض» الجريدة ومتعة القراءة مع تركي السديري، او فهد العرابي الحارثي واستكمله بباقة من الكتاب هنا وهناك. ان الناس تشكو لي دائما من «سعر» «الشرق الأوسط». وجوابي ابده ان اجمل متع الحياة ارخصها ثمنا. القراءة.