خطوة واعدة .. ولكن!

TT

أهم شرط لإنجاح خطوة اقامة المنطقة الحرة بين العراق ومصر اولاً ثم سورية ثم الأردن ثم اي دولة عربية ترغب في ذلك، هو عدم تسييسها، فالسياسة في هذا المجال قاتلة ومحطمة للآمال والدليل على هذا هو ان الاتحاد الاوروبي، الذي ينهض الآن ككتلة عملاقة قد تكون لها فضيلة انهاء ظاهرة القطب الواحد في العالم التي برزت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كان بدأ بخطوة متواضعة بعيدة كل البعد عن التأثيرات السياسية، هي السوق المشتركة.

ربما يكون هدف العراق، عندما اقدم على هذه الخطوة، بدءاً بمصر لمكانتها ودورها السياسي في المنطقة العربية والعالم، «فكفكة» الحصار المفروض عليه منذ اكثر من عشرة اعوام، وهذا من حقه، لكن اذا اريد لهذه الخطوة ان تؤسس لسوق عربية مشتركة على غرار السوق الاوروبية المشتركة وان تنتهي باتحاد عربي كالاتحاد الاوروبي، فيجب الابتعاد بها منذ البداية ومنذ الآن عن سياسة المحاور والتكتلات التي تضافرت مع نزوات بعض الحكام فأوصلت الحالة العربية الى كل هذه الشرذمة المخزية في عصر التكتلات الاقليمية والدولية.

اذا تحولت خطوة «المنطقة التجارية الحرة» الى مجرد محور سياسي جديد على غرار المحاور القائمة والبائدة، فيجب ان نقرأ عليها الفاتحة منذ الآن. واذا وضعت اي دولة من الدول المعنية نصب عينيها استغلال الاقتصاد من اجل الزعامة السياسية فان مصير هذه المحاولة سيكون الفشل الذريع، لا محالة، وها هي تجارب الماضي القريب والبعيد لا تزال شاخصة وماثلة ولا حاجة الى المزيد من البراهين والأدلة.

بامكان العراق الاستفادة من هذه الخطوة من اجل التخلص من الحصار المفروض منذ بداية العقد الاخير من القرن الماضي، وهذا من حقه كما قلنا وتؤيده في ذلك معظم الدول العربية. لكن حتى لا تنهار هذه الخطوة وتصبح عبئاً جديدا على التجارب الوحدوية، يضاف الى الأعباء السابقة يجب ألا يحاول ايٌ من المؤسسين والذين سيلتحقون بهم استخدامها سُلَّماً لزعامة سياسية اقليمية وغطاء لابراز محور سياسي جديد في وجه اي من المحاور السياسية القائمة.

ثم يجب ان يكون معروفاً ومنذ الآن ان مصر، التي كانت السباقة في اتخاذ هذه الخطوة، والأردن الذي يبدو انه حسم امره وسينضم الى «المنطقة التجارية الحرة» تربطهما علاقات سياسية واقتصادية مع اسرائيل، فاغماض العيون عن هذه الحقيقة في البداية وتفجيرها في مرحلة لاحقة سيجعل كل الجهود في هذا الاتجاه تذهب سدى وستكون النتيجة المزيد من الصعوبات في طريق اية خطوة وحدوية جديدة.

كان هناك مجلس التعاون العربي وانتهى تحت وطأة احتلال العراق لدولة الكويت، وكان هناك «الميثاق القومي» الشهير بين العراق وسورية الذي تبدد وانتهى النهاية المأساوية المعروفة فأُغلقت الحدود بين دولتين شقيقتين متجاورتين يحكمهما حزبان يحملان الاسم نفسه ويرددان الشعار ذاته «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» لمدة عشرين عاماً، والسبب في هذا كله هو النزعات السياسية وتغليبها على كل شيء وهو ايضاً داء الزعامة الاقليمي المتأصل في صدور ونفوس الكثيرين من الحكام العرب.

الخطوة جميلة وواعدة وجيدة بشرط حمايتها من جرثومة السياسة ووباء نزعات الزعامة المدمر. والمؤكد ان خطوة «المنطقة التجارية الحرة» ستتكلل بالنجاح اذا بقيت في الدائرة الاقتصادية فقط، وقد تؤسس لاتحاد عربي على غرار الاتحاد الاوروبي، وهذا بكل صراحة مُستبعدٌ على المدى المنظور، اما اذا أُغرقت ومنذ البداية في الدوامات السياسية واصبحت مطية لنزعات الزعامة الاقليمية فانها فاشلة لا محالة.