الهوس الأوروبي يلحق الضرر بالديمقراطية

TT

ماذا يمكن لسياسي فعله عندما ينضب معين افكاره؟ الاجابة، على الاقل في اوروبا، والمناطق المحيطة بها، هي الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

فخلال الاجتماعات الاخيرة لزعماء العالم في دافوس في سويسرا، تحدثت الى اكثر من عشرين رئيس دولة ورئيس وزراء من جميع انحاء العالم. واشار كل واحد منهم الى امل اجراء اتصال او تحقيق ارتباط مع الاتحاد الاوروبي باعتباره نقطة ارتكاز سياستهم الدولية.

وتجدر الاشارة الى ان دول البلقان ومولدافيا ليست هي الوحيدة التي تريد الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، كما ان الانبهار بأن تصبح دولة اوروبية ليس وقفا على تركيا التي ركزت صفوة قياداتها آمالها على الانضمام الى الاتحاد الاوروبي خلال السنوات العشر القادمة. فالاحتمال المثير يظهر في عدد من الدول التي ابعد ما تكون عن اوروبا مثل جورجيا وقازاخستان وقيرغيزستان.

كما ان عددا كبيرا من الدول على مشارف القارة القديمة، من بينها المغرب وتونس ومصر واسرائيل، لديها علاقات خاصة او اتفاقات مع الاتحاد الاوروبي. اما ايران التي لديها اتفاقات شراكة مع «السوق الاوروبية»، كما كان يعرف في السبعينات، تحاول بكل ما في وسعها تنشيط جزء على الاقل من الوضع المميز الذي فقدته بعد استيلاء الملالي على السلطة عام 1979.

وفي دول البلقان التي دمرتها الحروب ينظر الى عضوية الاتحاد الاوروبي باعتبارها المخرج الوحيد لتحقيق السلام الدائم والازدهار الاقتصادي. ويخشى العديد من تلك الدول طموحات جيرانها العرقية ويعتقدون ان الانصهار في هوية كبيرة سيحميهم من الصراعات المستقبلية.

وحتى كالينينغراد شرق بروسيا السابقة، تحلم بعضوية الاتحاد الاوروبي. وكالينينغراد هي عبارة عن جيب صغير من الاراضي الروسية محاصر بين بولندا وليتوانيا وليست له رابطة جغرافية مع روسيا نفسها. وحتى الاربعينات كان واحداً من معاقل الثقافة والمشاعر الوطنية الالمانية. ومنذ ذلك الوقت، ونتيجة لعمليات التطهير والمذابح التي شهدها عصر ستالين، تم تحويل الجيب من معقل الماني الى روسي. ويعتقد قادته الآن ان الانضمام الى الاتحاد الاوروبي سيمنحهم هوية جديدة تتعدى مشاعر الكراهية العرقية القديمة.

الامر المؤكد في الوقت الراهن هو ان الاتحاد الاوروبي، الذي يضم الآن 15 دولة، سيضم على الاقل 20 دولة في السنوات الخمس القادمة. وفي نهاية الحقبة الاولى من القرن الحالي سترتفع العضوية الى 30 دولة. ومن المحتمل ان تشهد الدفعة التالية ارتفاع العضوية الى خمسين دولة، اي عضوية كل الدول الاوروبية تقريبا. والدول الوحيدة التي من المرجح ان تبقى خارج عضوية الاتحاد هي روسيا وروسيا البيضاء والنرويج. الا ان هذه الدول لا تعتبر دولا دخيلة على اوروبا للابد. ان الرأي العام في الاتحاد الاوروبي يتبلور تدريجيا لصالح اوروبا عظمى تضم روسيا، وبالتالي ربما يتحول حلم الزعيم الفرنسي ديجول بأوروبا موحدة من المحيط الاطلسي الى جبال الاورال الى حقيقة.

ان زيادة حجم الاتحاد الاوروبي يبدو مثل بعث الامبراطورية الرومانية على نطاق ضخم. فمن شبه المؤكد ان الشرق الاوسط وشمال افريقيا سيصبحان تحت سيطرة النظام الناشئ الجديد، بينما سيصبح القوقاز وحوض بحر قزوين واسيا الوسطى نوعا من المنحدرات الاقتصادية والجيوسياسية للامبراطورية الرومانية الجديدة. ولكن هل اوروبا هي الرد على المشاكل التي تواجهها العديد من الدول المختلفة، كل منها على مستوى محدد من تطورها التاريخي؟ هل يجب على دول مختلفة تمام الاختلاف، مثل البانيا ولاتفيا، تجميد سياساتها الخاصة على امل الانضمام للاتحاد الاوروبي؟ ان شعار «الانضمام الى الاتحاد الاوروبي» يمكن ان يتحول الي حجة لتبرير الكسل الفكري بالنسبة للقادة الذين لايجرؤون على المخاطرة بافكار خاصة بهم. وفي عديد من الحالات، فإن القادة يأملون في ان فكرة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي ستضعف معارضيهم وتغري الاغلبية الصامتة الى تأييدهم املا في حياة افضل. ان التدافع على الانضمام الى الاتحاد الاوروبي هو أحد وجوه التوجه الدولي الحالي نحو التخلي عن السيادة. لقد تم نقل جزء كبير من السيادة القومية الى الامم المتحدة ووكالاتها الدولية. فمائة دولة تقريبا تملى سياستها بشكل كامل او جزئي عن طريق صندوق النقد الدولي او البنك الدولي. كما نقل عدد مماثل جزءا كبيرا من سياستها التجارية الى منظمة التجارة العالمية.

ويضع نقل السيادات القومية ضغوطا هائلة على الموارد الفكرية والسياسية لاربع او خمس قوى عظمى تمثل جوهر اوروبا. كما تمنح البيروقراطية الاوروبية والتكنوقراط قوة ضخمة ربما لا يتسخدمونها بافضل طريقة.

والاهم من ذلك فإن الاتجاه نحو تخفيف السيادة القومية يمكن ان يضعف عملية التطور الديمقراطي للدول الناشئة بعد سنوات من حكم الطغيان. ان النظام الديمقراطي اكثر فاعلية عندما يكون اصحاب القرار اقرب للشعب الذي تؤثر عليه مثل هذه القرارات.

ان إحياء الامبراطورية الرومانية بشكل مختلف يمكن ان يركز المزيد من القوة في يد سلطة قاصية، تكاد لا تخضع لحساب المواطن العادي في مناطق نائية للاتحاد.

واخيرا وليس اخرا، يمكن لعضوية الاتحاد الاوروبي ان تجمد الصراعات العرقية والقومية والاجتماعية، ولكنها لا تحلها بالضرورة. ان هذه الصراعات في حاجة للفهم في اطارها الصحيح وتحل من خلال اجراءات تؤثر مباشرة على الافراد المعنيين.

يجب عدم السماح للهوس الروماني الجديد بإن يؤدي الى موت السياسة في عشرات من الدول التي تدق ابواب الاتحاد الاوروبي.