عندما تضحك الأقدار

TT

هذه حكاية رجل سمعتها أخيراً لو كتبتها بالأبر على آماق القدر لصارت عبرة لمن اعتبر. والعبرة فيها ألا يمزج مخلوق بين دم العراقيين ودم الهنود الحمر، فذلك عمل لا يجلب الخطل الخطير وسوء المصير. وهو ما حدث بالضبط لهذا الرجل العاثر الحظ.

فقد ذهب للدراسة في أميركا وهناك بين المائة مليون امرأة غضة بضة، شقراء بيضاء، لم يجد زوجة لنفسه غير امرأة من الهنود الحمر. تزوجها وعاد بها لتعيش معه في جانب الكرخ من بغداد اعتقاداً منه بأن الكرخيين، الذين انتمى اليهم، تربطهم اواصر قرابة قديمة بالهنود الحمر.

مضت بضع سنوات ثم مات الزوجان بعد ان خلفا عدداً من الأولاد كان منهم بطل هذه الحكاية الذي وجد رغم قصر عمره وهو في السادسة عشرة، ان الحكمة تقتضي مبارحة هذا البلد بأسرع ما يمكن. ولكنه اكتشف ان الاميركان يشترطون لاستعادة جنسية امه الأميركية ان يكون المطالب بها سالم العقل وتجاوز الثامنة عشرة من عمره. لم تحقق السفارة الأميركية في الشرط الأول لعلمها علم اليقين أن من ينشد الحياة في أميركا لا يمكن ان يتمتع على أي حال بعقل سليم. بيد انها اصرت على الشرط الثاني واضطرت الشاب إلى إقامة دعوى لاضافة سنتين لعمره، فتكبير العمر أو تصغيره يعتبر من حقوق الانسان في العراق.

ما ان اصبح عمره مطابقاً للقانون حتى نال الشاب جنسيته الاميركية، ولكن ما مست قدماه تربة الولايات المتحدة حتى وجد الجيش في انتظاره لتجنيده لخدمة العلم لبلوغه الثامنة عشرة. بعثوه فوراً إلى فيتنام ليحارب ثوار الفيتكونغ دفاعاً عن العالم الحر.

وقبل ان يستطيع القيام بأي شيء دفاعاً عن الديمقراطية، اصابه الثوار الشيوعيون بكلتا رجليه اصابة اقعدته في الفراش وكانت أول تجربة له عن العالم الحر. وانقسم الاطباء بشأن رجليه بين من يفضل بترهما ومن يفضل ترقيعهما. ولكن فريق ترقيع الارجل فاز في الأخير على فريق بتر الارجل. وبهما استطاع ان يعود إلى العراق ويتزوج بواحدة من بين قومه تعتبر انساناً برجلين مكسورتين افضل من انسان من دون رجلين.

اندلعت حرب الكويت فتقرر تجنيد الرجل كمواطن عراقي وارساله للحرب حيث وقع اسيراً بيد الأميركان. قضى اشهراً طويلة يحاول ان يثبت لهم انه واحد منهم ولا يجوز لأميركي ان يأسر أميركيا آخر كما لا يجوز للقط ان يأكل لحم اخيه القط. اقتنعوا اخيراً بحجته عندما استعمل معهم منطق القطط. اطلقوا سراحه وعاد إلى أميركا ليجد أمامه هذا الخبر. في أول غارة قامت بها طائرات وطنه الأميركي على عاصمة وطنه العراقي قصفت الفندق الذي ترك فيه زوجته واولاده الثلاثة. ماتوا جميعاً ميتة عراقية، وهو نوع من الموت لا يمكن وصفه لمن لم يمر به.

يجلس الرجل الآن في الولايات المتحدة يفكر بمقاضاة كلتا الدولتين عما لحق به من اضرار نتيجة معاملتهم له كأميركي تارة وكعراقي تارة اخرى. ولكنه في كلتا الحالتين ضمنت الدولة المعنية، خروجه خروج الخاسرين.