غياب المبادرة الخليجية

TT

يأخذ الكثيرون على مجلس التعاون بطء الحركة، وضعف مسيرة العمل المشترك لتوحيد طاقات المنطقة، وتطوير الإفادة من مواردها لخلق كيان اقتصادي مؤهل للدفاع عن مصالح دول المنطقة، وحماية حقوقها. وبين من يعزو ذلك إلى غياب استراتيجية طويلة المدى، ومن يبرره بعدم توفر الإرادة السياسية، تبرز أهمية مراكز الدراسات، ودور البحوث في تسريع خطوات عمل المجلس لتوحيد آليات الإفادة من موارد المنطقة، وإمكاناتها الطبيعية الهائلة لتفعيل دورها في الاقتصاد العالمي، وتأثيرها في مجريات السياسة الدولية.

تمثل دول الخليج في الوقت الراهن مركز الثقل الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط من حيث وفرة موارد الطاقة، والاستقرار الاجتماعي، والموقع الجغرافي، ناهيك من العمق الديني، وقوة العلاقات مع مختلف القوى السياسية في العالم، كما أنها تستحوذ على أكثر من نصف الطاقة الشرائية في المنطقة، وتملك شبكة عالية من التجهيزات الأساسية المتطورة، والخدمات المالية القوية المؤهلة للتعاطي بسهولة مع الأسواق العالمية، إلا أن الامكانات المتاحة للدول الخليجية مجتمعة لم توظف بعد بصورة كافية لخدمة أهداف المجلس، كما تتطلع إليها شعوب المنطقة.

المبادرة ثمرة جهد شاق لاستكشاف حقيقة غائبة، والحقائق الغائبة عن إمكانية ما يمكن أن تحققه دول الخليج لنفسها مجتمعة كثيرة، ولا يمكن حصرها أو الوصول إليها إلا بتنمية الدراسات المتقدمة، وتطوير البحوث، وتشجيع الدراسات القائمة على توظيف الطاقة المشتركة لدول المجلس. وقدر ما كان الإيمان بذلك متوفرا في جوانب معينة، مثل الدار الخليجية للاستشارات الصناعية، فإن جدية البحث، والأخذ بنتائجه ظلت غائبة. إذ أن الأسس التي تُبنى عليها البحوث ليست قائمة على استراتيجية بعيدة المدى.

أهمية البحوث تكمن في أنها تضع بين يدي صانعي القرار معلومات دقيقة، وموثقة، تسهل عليهم تحديد موقفهم من مبادرة معينة، وفائدة هذه المواقف تنعكس على مجتمعات كاملة، وتحدد موقف منطقة واسعة المساحة، عريضة التنوع السكاني مما يحدث على مستوى العالم.

قبل اسبوعين تقريبا.. تقدمت دولة الكويت بطلب إلى منظمة الصحة العالمية لبحث آثار استخدام قذائف اليورانيوم الناضب خلال حرب الخليج الثانية على أراضيها، وسكانها، وجاء هذا الطلب في اليوم الذي أعلنت المنظمة المشار إليها أعلاه عن حاجتها إلى مليوني دولار لتمويل دراسات متقدمة للتحقق من آثار هذه الأسلحة على البشر، وكان يمكن أن تستفيد دول الخليج، وتفيد في هذا الجانب، لو ان الأمانة العامة لمجلس التعاون تبنت توفير التمويل من الدول الخليجية في مقابل إشراك مجموعة متخصصة من أبناء المنطقة في الدراسات لتأمين إلمام كاف بفحوى الدراسات، وكيفية الاستفادة من نتائجها!! وقبل ثلاثة أسابيع.. بدأ مركز خليجي عمله في الدوحة، لتقديم دراسات سياسية تتناول أوضاع المنطقة، ومستقبلها بالتعاون مع السفارة الأميركية في قطر.

وقدر ما يمثل النفط مصدر الدخل الأساسي لدول المنطقة، فإنه لا يتوافر في المنطقة مركز واحد متخصص في الطاقة، تكون مهمته جمع المعلومات، وتحليلها وتسهيل الوصول الى سياسة موحدة في مجال الطاقة. ولو قُدّر لنا الإطلاع على ما تنفقه كل دولة للحصول على المعلومات المتعلقة بالطاقة من المراكز العالمية التي أنشئت أساسا لخدمة المجتمعات التي أقيمت فيها لوجدنا أنها تكفي لإنشاء مركز خليجي متخصص لدراسات الطاقة يوازي مركز أكسفورد، ويتفوق على وكالة الطاقة الدولية المتخصصة في كيل النقد لسياسات «أوبك» التي تمثل دول الخليج نصف إنتاجها تقريبا. والى ان يأتي اليوم الذي يستند عمل مجلس التعاون على استراتيجية بعيدة المدى، تأخذ في الاعتبار معطيات الحاضر، وتطلعات ابناء المنطقة للمستقبل، سيبقى العمل الخليجي المشترك بطيئا، يحبو لسنوات طويلة.. من دون ان يبلغ سن المشي، وحرية الحركة الصحيحة باتجاه مستقبل افضل.