معارضة..!

TT

من اعجب احداث الاسبوع الماضي ان غارة الطائرات الاميركية والبريطانية على مواقع عراقية جنوب العاصمة بغداد يوم الجمعة لم يصفق لها بحماسة غير شخص عراقي فشلت الولايات المتحدة، بكل جبروتها، ان تفرضه على المعارضة العراقية زعيما لها.

الغارة لم تفد الولايات المتحدة وبريطانيا كثيرا، فهي عمل روتيني يتكرر مرات عدة كل شهر، واحيانا كل اسبوع، منذ سنوات.. وهدفها، كما هدف مئات الغارات المماثلة السابقة، وكما هدف سياسة العقوبات برمتها، ابقاء صدام حسين في القفص. ولهذا حرصت واشنطن ولندن على التأكيد على الطابع الروتيني المعتاد للغارة التي لم تثر بغداد حولها ضجة الا انها اقتربت من عش الدبابير: العاصمة، فلولا هذا لانتهى امر هذه الغارة بكل ضحاياها وجرحاها وخسائرها المادية الى تصريح للناطق العسكري عن «غربان الشر» يصدر آخر الليل، والى مذكرة شهرية الى الجامعة العربية والامم المتحدة تحصي عدد الغارات والتحليقات والطائرات المشاركة.

وغارة الجمعة، كما سابقاتها، لم تضر صدام حسين. بل انه انتفع منها مثلما ينتفع كل يوم من مجمل السياسة الاميركية ـ البريطانية. فبعض الجهلة في فلسطين رفعوا صوره وهتفوا له واعاد تلفزيون بغداد بث مشاهد ذلك مرات ومرات ليقول للعراقيين ان لديكتاتورهم من يحبه رغما عنهم وكيدا فيهم.

ضحايا الغارة، وهم قتيلان وعشرون جريحاً، هم جميعا من المواطنين العراقيين المغلوبين على امرهم.. ليس بينهم الصديق الحميم او الاخ الشقيق لصدام او العدو اللدود للولايات المتحدة وبريطانيا.

غارة الجمعة الاميركية ـ البريطانية في جنوب بغداد عمل غير انساني. ولهذا السبب سعى الاميركيون والبريطانيون الى تبريره من دون التهليل له، والى التنصل من المسؤولية عنه وتحميلها لصدام حسين.

وهنا مصدر العجب في الحماسة التي اظهرها من واشنطن للغارة زعيم «المؤتمر الوطني العراقي». فمن اجل القتيلين والجرحى العشرين، وهم جميعا ضحايا ابرياء كما الشعب العراقي كله، كان يتعين على هذا «الزعيم» ان يلزم الصمت في الاقل.

ليست معارضة محترمة تلك التي تفرح بخراب بيوت ابناء شعبها.. وليست معارضة محترمة تلك التي تنتظر ان تعود الى عاصمة بلادها بالقطارات الاميركية والباصات البريطانية لتبني الديمقراطية على رماد الحرائق وفوق المقابر.