الجسر إلى البحرين

TT

التفت محرر صحيفة «الواشنطن بوست» في زيارته الميدانية الى الجسر المعلق الذي يربط البحرين بالسعودية وعبر من خلاله الى عمق العلاقة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين البلدين. ووجد الكاتب في الجسر مخرجا للحرية، او ما يراه البعض معبرا نحو المحرمات، من دون ان ينكر المعاني الأخرى لما فعله الجسر. ولم يفته ايضا ملاحظة الاسباب وراء اختلاف الانظمة الداخلية لكل بلد. لكن من المهم ان نعلق ان ستة عشر ميلا من الحديد والخرسانة الذي افتتح كأول جسر بين دولتين عربيتين في المنطقة، في عام 1978، لعب دورا مهما في امتحان العقل السياسي العربي، فقد خطأ نظرية الهيمنة التي كان يروج لها بعض المنظرين والمعارضين العرب والذين كانوا يرون في كل مشروع اقتصادي او ثقافي خطة سياسية سرية. صار الجسر برهانا عند المنظرين للمؤامرة، مؤكدين انه ليس سوى خط عسكري سريع فقط. ردد هذا القول في السبعينات والثمانينات في ديوانيات الخليج نقلا عن افكار المنظرين اليساريين العرب الذين كانوا يتعرضون لهزائم متتالية على الأرض لأنظمتهم او لطروحاتهم. البحرين اليوم نموذج حي على خطأ تلك التهويمات الكلامية، اذ ظلت تتمتع بما كانت تملك وتفكر بنفس العقلية وتدير شأنها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بنفس النهج قبل بناء الجسر.

واذا كانت الجغرافيا السياسية جعلت من البحرين كما هي اليوم، عربية مستقلة ليبرالية، فان الجسر أكد ما حققته في الماضي. اما هروب بعض السعوديين لأسباب اجتماعية او اقتصادية الى البحرين، وهو ما لفت انتباه الزميل، وهو صحيح بالفعل، فليس بالغريب في محيط التنفس الاقتصادي او الاجتماعي. فسكان جنوب كاليفورنيا يمضون اوقاتهم في شمال المكسيك لنفس الاسباب، والاوروبيون في هولندا، والايرانيون في دبي، واليمنيون في الصومال، ولو كانت العلاقة طبيعية لفعل اهل العقبة الاردنية الشيء نفسه في ايلات الاسرائيلية المقابلة لهم على البحر. الحقيقة ان الجسر جعل من البحرين، الجزيرة الصغيرة، دولة كبيرة عندما فتح امامها فرص الحركة في اكبر اسواق المنطقة بدون ان تدفع ثمنا جديدا، فولاء البحرين للبيت الخليجي كان سابقا لبناء الجسر، ومن دون ان يتدخل احد في شؤونها حيث اختارت لنفسها طريقة ادارة بلادها، التي تختلف مع بعض جاراتها. وعندما يحصر البعض هذا الرابط الخرساني في مسائل اجتماعية فانه ينسى مسألتين مهمتين; واحدة ان حجم الحركة الاقتصادية هو الأكبر من الترفيهية، والثانية ان مناخ الحرية ليس حكرا على المنامة، خاصة ان الطرق صارت اقصر بفضل الطيران. فالوصول جوا الى القاهرة، من جدة، يستغرق نفس الوقت الذي تقطعه السيارة عبر الجسر. وبفضل حركة الطيران الضخمة ايضا لم تعد البحرين الباب الوحيد كما صورها المحرر، فبيروت وعمان ودبي تقع في نفس الدائرة الجغرافية.