اعتذار خطي

TT

فقط بمحض الصدفة كانت زاوية امس عن السودان ولبنان واوجه الشبه الاربعين. فقد كتبت تلك الزاوية في الرياض قبل اسبوعين. وهي واحدة من اربع او خمس «زوايا» غير مؤرخة وغير مرتبطة بحدث، ارسلها الى ادارة التحرير على سبيل الاحتياط. وبالتالي فإنني لا استطيع ادعاء السبق، او القول انها كتبت تعليقاً على «الاتفاق» الذي وقع في جنيف بين حزب الدكتور حسن الترابي وبين حركة الجنرال جون قرنق.

ماذا يثبت الاتفاق؟ اولاً، فلنر الى اي مدى سوف يصمد. لكن الشيء الاكيد الذي يثبته هو انه لا حدود اطلاقاً لما يمكن ان يذهب اليه السياسيون العرب. اما الشيء الثاني فهو ان لا حدّ لأوجه الشبه بين السودان ولبنان، حقاً حقاً. فقبل ان يلتقي ممثلو الدكتور الترابي وممثلو قرنق في سويسرا، كان قد التقى في لبنان الرئيس السابق امين الجميل بالامين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي في منزل الاخير. وما بين الاثنين زمن الحرب هو تماماً ما بين الترابي وقرنق. او ما بين الشمال والجنوب.

وهذا لا يعني اطلاقاً اننا ضد المصالحات. العياذ بالله. نحن ضد الحروب. ولكن ايضاً ضد المصالحات بعد ان توقع كل هذا العدد من الضحايا والخسائر والزمن الضائع. لكن يبدو ان السياسة يمكن ان تجمع كل الاشياء بما في ذلك الزيت والماء. وهو الامر الذي لم يدركه على ما يبدو السيد خالد السعدون الذي استغرب ان يتحالف الدكتور يوسف الصبيح (والاسلاميون) مع الحكومة بعد اعطائه وزارة النفط، حقاً، وزارة النفط؟ لمَ لا؟ اليست الحكومة تدعى «تشكيلة»؟ اليست هي «وزارة صباح الاحمد» كما سماها البعض؟ اذن، الحنكة القديمة تقضي بأن يرضى المعارضون، ويترك للسيد السعدون حق الاحتجاج والضرب على الطاولة امامه. اي طاولة الاعضاء لا مطرقة الرئاسة ونقطة النظام، التي انتقلت الى السيد جاسم الخرافي، هدوء الهدوء.

على انني يجب ان استدرك، اكراماً للدقة وحرصاً على اصول السياسة المقارنة. فالحقيقة ان الاتفاق بين الدكتور الترابي والجنرال قرنق يتعدى حتى المشابهات اللبنانية ويتخطى ما بين السودان ولبنان من نغم الرنة وحسن البيان وفسيفساء السياسة وكثرة المنفيين والعائدين وجماهير المهاجرين والهاجرين والمصالحات المفاجئة والخناقات المفاجئة والمصالحة ما بين الشمال والجنوب نكاية بأهل الوسط وحماة المركزية.

في حالات اخرى، يمكن للحكومات «الائتلافية» ان تضم اهل اليسار واهل اليمين. او ان تضم شيوعيي فرنسا واشتراكييها معاً. ولكن ان تتولى المعارضة هي هذا النوع من الجمع بين اقصى الشمال واقصى الجنوب، فإنني باسم جميع اللبنانيين، اعلن الطاعة التامة لجماهير شعبنا في السودان. لا يتقدم عليكم احد. وعفوكم عن المقارنة. مجرد هفوة غير مقصودة.