في انتظار الفعل العربي والفلسطيني: لا تحولوا إسرائيل إلى ضحية

TT

يقترب الصراع العربي الاسرائيلي من فترة الحسم تدريجياً، وستكون النتائج الايجابية الاكثر في صالح الطرف اللين القوي، والـمُجند بذكاء لكل العوامل المتاحة. هنا يمكن القول ان الطرفين العربي الفلسطيني، والصهيوني الاسرائيلي لديهما عثرات ذاتية ضخمة تعيق خدمة اهدافهما، لكننا في عهد شارون مؤهلين لانجازات اضافية اذا احسنا التصرف تضامنياً. التضامن المنتظر ليس الذي عاد اليه الرئيس صدام حسين هذه الايام من تهديد لاسرائيل، وانما التضامن المطلوب هو دعم الصمود الفلسطيني في معركة الحصار، اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً. التضامن المطلوب ايضاً هو تشجيع القيادة الفلسطينية على المناورات السياسية الشرعية المحسوبة، والتكتل العربي خلف موقفها السياسي امام العالم وامام واشنطن.

لقد مهد انتخاب شارون الطريق امام العرب في الوصول الى آذان العالم، لان الجنرال شارون يأتي في المرتبة الثانية على سلم الكراهية في العقل الغربي، بعد ادولف هتلر، لكن النجدة جاءت سريعة من الرئيس صدام، الذي رد على غارة بريطانية اميركية ضد محطات رادار حول بغداد، رد باعلانه فتح باب التطوع لتحرير فلسطين، هكذا مرة واحدة. ولا ندري كيف سيحرر صدام فلسطين، هل بارسال الجيوش عبر الاردن هذه المرة، ام سينزلها بالمظلات؟ المهم ان النتيجة الفورية كانت تحركا اميركيا لحماية اسرائيل من الصواريخ العراقية، اذ بدأت تجارب اختبار صواريخ باتريوت الشهيرة المضادة للصواريخ، واختها الاسرائيلية، حيتس، التي طُورت بأموال اميركية اثر «الدعم» السابق من الرئيس صدام للانتفاضة الاولى ايام حرب الخليج الثانية. ومجدداً تحول الاهتمام العربي الشعبي والعالمي عن هذه الانتفاضة الى التصريحات العراقية، واذا باسرائيل شارون وكل ما تفعله تتحول الى ضحية محتملة! نأمل هذه المرة ألا تمطر الصواريخ ذهباً على اسرائيل كما في المرة الاولى! ابتلاء العرب لا يقتصر على الرئيس صدام، فهناك الكثير أمثالة مثل زعماء منظمات شبه وهمية اخذوا يتوعدون ويحذرون اسرائيل ويذكروننا بالاعلانات عن اقتراب عرض افلام طرزان في دور عرض الترسو. الصفوة والشارع العربي مليئان بالفتوات العنترية الشفهية التي ترتجف امام تبرير عملية مواطن شريف ضد الاحتلال خوفاً من الرد الاسرائيلي او الاميركي. الوضع في فلسطين يحتاج الى دعم معنوي وعملي، اين القرارات التي أُتخذت في القمة الاخيرة من التنفيذ؟ القيادات الفلسطينية تؤكد ان الدعم المالي لم يصل بالحجم المحدد، الى درجة ان الصكوك الممنوحة لعائلات الشهداء بدون رصيد! يمكن الاسترسال هنا مطولاً في التوصيف والاثارة العاطفية، لكن الافضل ان نطالب بتوضيحات من القيادة الفلسطينية والحكومات العربية: من الذي قدم الدعم للانتفاضة حسب الاتفاق المعلن، ومن الذي تأخر؟ كيف وصل الدعم، ولماذا بهذه الطريقة؟ اذا لم تعلن هذه الحقائق امام الجماهير العربية فلن نصدق قصص نقص الدعم، ولن نصدق ايضاً اتهامات التبذير والفساد. علينا الابتعاد عن المداهنة وعن المبالغة ايضاً. لقد صمدت الانتفاضة الاولى لاكثر من ست سنوات عجاف بدون ان تكون القيادة وسط الشعب، وبدعم أقل مما تقرر لهذه الانتفاضة التي لم يكتمل نصف عامها الاول بعد، ولن يحسم الصراع قبل سنوات اخرى من الصمود والنفس الطويل والتخطيط المميز، لذلك هناك أهمية لتنظيم ولعلانية الدعم.

من الانواع والسبل الاخرى الكثيرة لدعم الفلسطينيين، هناك الحاجة لتكثيف الدعم الدبلوماسي، وانتهاز انتخاب شارون، وبداية عهد ادارة جديدة في واشنطن. لقد سبق الاسرائيليون بوفد لئيم وقوي الى واشنطن لتبييض صفحة شارون، وقلب الحقائق ضد القيادة والشعب الفلسطيني المحاصر والممنوع من الحركة الداخلية والخارجية. لماذا لم تستعد الدول العربية سلفاً لاحتمال نجاح شارون، ولم تفعل دبلوماسياً حتى بعد انتخابه؟ كان وما زال المجال متاحاً امام الخارجية الفلسطينية في تونس، او اختها في غزة، وعبر سفارات ومكاتب فلسطين، او عبر شخصيات فلسطينية مرموقة موزعة في العالم، كان بالامكان التحرك لدى الحكومات والرأي العام العالمي لتوضيح المخاطر، والتصدي للطروحات الاسرائيلية المتطرفة، نفس الشيء يمكن عمله من مجالس السفراء العرب في أي عاصمة، او طبعاً عبر تشكيل وفود عربية من اطر الجامعة العربية. سيكون من المهم تنبيه أي عمل اعلامي او دبلوماسي عربي الى عدم الوقوع في فخ التعميم بصدد انتخاب شارون. الادعاء والتهويل بأن اغلبية ساحقة من الاسرائيليين انتخبت شارون غير صحيح اصلاً، ولا يخدم الدبلوماسية العربية ايضاً. لم يكن امام الناخب الاسرائيلي سوى جنرالين، واحد انتخبوه سابقاً ولم ينفذ وعوده بالتوصل للسلام، وآخر طرح عليهم شعارات سلام وأمن شخصي. يذهب للانتخابات في العادة حوالي خمسة وثمانين في المائة من الاسرائيليين، ولم يذهب للانتخابات الاخيرة سوى ستين في المائة، صوت ستون في المائة منهم لشارون الذي طرح شعارات تحقيق السلام. النتيجة ان الاسرائيليين بأغلبيتهم، سواء الذين اضطروا لتكرار التصويت لباراك، او الذين رفضوا الاشتراك في الانتخابات، او بعض الذين صوتوا لشارون املاً في ان ينفذ وعوده السلامية، كل هؤلاء يبحثون عن السلام والامن الشخصي، ولكن خياراتهم محدودة، وكل من ينتخبونهم لهذه المهمة ما زالوا من المدرسة القديمة وينحازون للاقلية الاسرائيلية اليمينية النشطة سياسياً. ضمن هذه الرؤية فإن السلام في المنطقة يحتاج الى الضغط العالمي على القيادات الاسرائيلية المتمردة دوماً على رغبة الجمهور، وأي دعم لحكومة شارون لا يخدم السلام والامن الا اذا جاء مرتهناً بتنفيذ الشرعية الدولية، أما ان ندعي امام العالم ان الاسرائيليين انتخبوا شارون ليشنوا الحرب، فذلك مغالط للحقيقة ولا يخدم قضيتنا، ولن يشجع أي طرف دولي اصلاً على الوقوف ضد اسرائيل.

في سياق الدعم المطلوب، يمكن ايضاً الاشارة الى انواع كثيرة من الدعم الفلسطيني الذاتي. لنأخذ مثلاً الجمود الفلسطيني الرسمي في نهج حلولي واحد الى درجة الاصرار على مواصلة المفاوضات من النقطة التي انتهت عندها ايام باراك! شارون يريد بداية مختلفة لم يطرحها بعد، فلماذا لا نطرح عليه علناً عبر العالم حلولاً مختلفة ليختار منها بدل حلول باراك التي لا يريدها؟ يمكن ان نعود الى قرارات الامم المتحدة والشرعية الدولية لتمثل الحل، وهي قرارات جاهزة ومفصلة تماماً. يمكن ان نعيد القضية برمتها الى الامم المتحدة لتقرر بشأنها، ويمكن ان نقترح على الاسرائيليين عدة حلول ديمقراطية علمانية للتعايش معا بين النهر والبحر على اسس فيدرالية او كنفيدرالية، ببرلمان مشترك او باثنين منفصلين، ويمكننا الاستشهاد بالعديد من الدول ذات الشعوب واللغات والعادات والاديان المختلفة، والتي تعيش بمساواة في حدود واحدة مثل الولايات المتحدة او سويسرا او بلجيكا، او طبعاً جنوب افريقيا. القاعدة الاساسية لأي حل يمكن عرضه على الاسرائيليين هي المساواة بين الافراد، وضمان الحقوق الشخصية. ما الذي يخيفنا من طرح الحلول الشرعية الدولية، او الحلول الخلاقة المستجيبة مع التطور البشري، طالما ان الجنرال شارون لا يريد الانطلاق في المفاوضات اكثر مما وصلت اليه؟ الفرصة الحالية ذهبية للبناء على رفض شارون، والتقدم بخمسة حلول ليختار منها ما يريد، وتعرية الموقف العنصري الاسرائيلي الرسمي الرافض للمساواة وللشرعية ولحقوق الانسان. تلك المقترحات يمكن ان تتقدم بها السلطة الفلسطينية، او الاردن ومصر، او تعرضها الجامعة العربية علناً على الامم المتحدة، او يقترحها وفد عربي خاص على الادارة الاميركية لتقدمها لاسرائيل. اهمية الطرح الآن تأتي من حالة الفراغ في انتظار حكومة اسرائيلية، واجبارهم على الرد المفضوح قبل ان يستعدوا له. اما اذا انتظرنا الفعل الاسرائيلي فقد نجد صعوبات في الرد، اذ سيقول شارون ان نهج الحل الماضي لم يقدم الامان ولم يوصل للسلام، والمنطقة بحاجة لفترة طويلة، وبالتالي لحلول مرحلية اختبارية... الخ.

عربياً وفلسطينياً، علينا الخروج من شرنقة الخوف وحالة الفوضى العاطفية حتى نُسخر نجاحات الانتفاضة، وسنوات الصمود، وكل الدعم المتنوع السابق، في استكمال الطريق السليم. الاسرائيليون يرون الانتفاضة الآن بمثابة حرب استنزاف ضدهم، ويرون ان امنهم الشخصي اصبح مهدداً، ويريدون السلام والامن الذاتي، ويعرفون ان حلول القوة والترانسفير لم تنجح، ولم تعد قائمة في عالم اليوم. كل الارهاب المركز الان ضد الشعب الفلسطيني يُراد منه اجهاض مراحل النضال الاخيرة للتوقيع على حلول انتقاصية تعفي اسرائيل من دفع ثمن الحلول الشاملة الحقيقية، لذلك هناك ضرورة ملحة للدعم العربي المتنوع، والعمل الفلسطيني المميز، ضمن الرؤيه والامثلة اعلاه، والكثير غيرها.