من البوسنة إلى الشيشان

TT

وقفت مجموعة من الضباط الصرب السابقين انتباها، بينما راحت قاضية تقرأ قائمة الجرائم الطويلة التي تلقوا احكاما طويلة عليها. حدث ذلك اول من امس في لاهاي. وعلى بعد الفي كيلومتر شرقا تبحث مجموعة من المحققين التابعين لمنظمات حقوق الانسان عن ادلة لجرائم مماثلة ارتكبتها القوات الروسية في الشيشان.

المحكمة الدولية الخاصة بجرائم الحرب في البوسنة اصدرت احكاما بسجن الضباط الصرب لفترات تتراوح بين 12 و 28 سنة بعد ادانتهم بتنظيم عمليات اغتصاب جماعية للنساء المسلمات في البوسنة قبل ست سنوات. ولا شك ان جرائم اغتصاب فتيات مسلمات، لا تزيد اعمارهن عن 12 سنة، دخلت التاريخ الاوروبي باعتبارها واحدة من اكثر فصوله ظلاما. ولا شك ايضا ان قرار محكمة لاهاي سيشكل سابقة قانونية دولية تدرج الاغتصاب والعنف الجنسي خلال الحروب ضمن قائمة الجرائم ضد الانسانية.

الا انه لا يبدو ان الرسالة وصلت للقوات الروسية في الشيشان. فبعد عام بالضبط من اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان قواته حررت غروزني، وانها تعمل على السيطرة على باقي الاقليم، لا يوجد اي دليل يؤكد وصول هذا الصراع المرير الى نهايته. بل ان العنف الجنسي هو احد الاسلحة التي تستخدمها القوات الروسية ضد مواطني الشيشان.

والواقع ان الغزو الروسي حوّل الشيشان الى ارض خراب تقريبا. فقد القت القوات الروسية من القذائف على هذه المساحة الصغيرة اكثر مما القته قوات الحلفاء على المانيا كلها طوال الحرب العالمية الثانية. وقد قتل، او اصيب، عشرون بالمائة ـ على الاقل ـ من الشيشان، كما ان تسعين بالمائة من المباني دمرت تدميرا كاملا او تعرضت لاضرار جسيمة، ناهيك من ان ثلثي السكان تحولوا الى لاجئين، نصفهم في انغوشيتا المجاورة.

ويبدو ان السياسة الروسية تهدف الى تدمير الشيشان، ارضا وهوية، وتفريق شعبها في جميع انحاء العالم. ومن اللافت للنظر انه حتى الحكومة الشيشانية الموالية لموسكو ادانت علنا تجاوزات من يطلق عليهم الكرملين صفة «المحررين».

لقد وقع الضباط الصرب في قبضة العدالة الدولية وحوكموا في لاهاي بعدما الزم المجتمع الدولي نفسه بملاحقتهم. وهناك الآن حاجة الى التزام مماثل بخصوص ما جرى ويجري في الشيشان، فالنظام الدولي لا يمكنه الاستمرار اذا كان هناك قانون للضعفاء وآخر للاقوياء.