نتائج معكوسة

TT

عجبت من ابليس في تيهه وخبث ما أظهر من نيته تاه على آدم في سجده وصار قواداً لذريته منع ما هو موجود مثل رفض ما هو مقبول يشير قبل الاتهام بالسذاجة الى تحولات اجتماعية وسياسية تتشكل حولنا ببطء دون ان نلاحظها الا حين تعبر على نفسها بموقف او قرار.

ولا شك ان مئات وربما ألوف الناس سألوا انفسهم ما معنى ايقاف طباعة ديوان ابي نواس وهو موجود في كل مكتبة ادبية شخصية ومتوفر من خلال الطبعات الماضية بكل الاحجام والاجزاء، والاغلفة والالوان.

والشيء نفسه يقال عن الف ليلة وليلة التي تطبع باللغة العربية منذ اختراع الطباعة بالحروف العربية ودخولها الى العالم العربي عبر حلب وبيروت اللتين تنعمتا بنعيم المطابع قبل غيرهما من المدن العربية.

وان تأتي الآن وتمنع هذين العملين الادبيين الجليلين لا تفعل في الواقع اكثر من تذكير الاجيال العربية الجديدة بهما للبحث عنهما بدأب اشد وتركيز اكبر، فالممنوع مرغوب ووقوف اية سلطة في العالم ضد كتاب ليس اكثر من تمهيد الارض امامه لانتشار اوسع.

وهذا الدرس معروف من تجربة القرون الوسطى في اوروبا، فقد كانت روما ـ مقر الفاتيكان ـ هي المسؤولة عن الفسح والمنع، وكانت تصدر كل سنة قائمة بالممنوعات، فيشتري الناس القائمة لمعرفة الكتب التي يجب البحث عنها واقتناؤها ومن ذلك الوضع نشأت تلك العبارة التاريخية الجميلة والموحية «ما تسجله روما في قوائمها يستحق القراءة».

ان كتاب سلمان رشدي ـ مثلا ـ ايات شيطانية يدين بانتشاره لفتوى الامام الراحل الخميني، ولعشرات المظاهرات التي طالبت بحرقه ومنعه وكذلك الحال مع رواية وليمة لأعشاب البحر لحيدر حيدر، فقبل ان تقوم جامعة الازهر مشكورة بالتعريف بها والمطالبة بمنعها كانت معرفتها تقتصر على المهتمين والنقاد والمختصين بأدب السبعينات.

ولا شك ان رشدي مدين بشكر لمانعي كتابه فقد جعل منه ذلك المنع مليونيراً تفوق ثروته الملايين العشرة بدليل ان زوجته الثالثة تطالبه بخمسة ملايين لاكمال الطلاق بعد تكرار مواعيده الغرامية مع عارضة الازياء السمراء لاكشمي، والراغبة في الطلاق تطلب عادة نصف ثروة الزوج في القوانين الاميركية والبريطانية.

وعودة الى ديوان ابي نواس الذي حرك منعه الاهتمام به من جديد، فاننا نطالب من بيدهم امر الفسح والمنع ان يمنعوا اعادة طباعة جميع الدواوين والاعمال الادبية الجيدة حتى يسمع بها الجيل الجديد ويبحث عنها فقد قرأها الآباء واستوعبوها وما من طريق لتحريك اهتمام الاجيال الجديدة بها الا بالمزيد من قوانين وقرارات المنع والمصادرة، فأكثروا ـ أثابكم الله ـ منها لنعرف شبيبتنا بما عندهم من الكنوز.