الشائعات المطبوخة

TT

وردت نشرات على الانترنت، التي اصبحت الوسيلة المثلى لنقل الشائعات، تقول ان المصريين يعانون من انتشار السرطان بسبب اطعامهم قمحا اميركيا ملوثا بالاشعاعات (اعتقد انها نووية). وقبلها وردتني على نفس الوسيلة رسالة تدعي ان اليهود يقومون بطباعة وترويج صور لمسجد قبة الصخرة زاعمين انها المسجد الأقصى من اجل التشويش على العرب وبالتالي الاستيلاء على المسجد الاقصى. وشائعة ثالثة قالت ان سوسة اصابت النخيل في السعودية وراءها الاسرائيليون حتى ظهر وزير الزراعة فخيب تصوراتنا عندما اثبت ان السوسة وردت من الهند. وحكاية توزيع صور مسجد الأقصى او الصخرة مجانا من قبل اليهود هي الأخرى اشاعة ربما وزعها اليهود انفسهم. فالاسرائيليون ضد تسليم مسجد الأقصى ومسجد الصخرة، وضد التنازل عن كل حجر في القدس، ولو كان الخيار لهم فلن يعيدوا شبرا من كل الضفة الغربية فكيف يعرضون مسجدا من اجل الاحتفاظ بآخر. ثم من يصدق ان المتفاوضين، وهم المعنيون وبعضهم من ابناء القدس نفسها، لا يعرفون احياء القدس ولا يفرقون بين مساجدها؟ أما حكاية الاطعمة الملوثة بالاشعة فقد استند مروجوها ايضا الى قصاصة اعلان لا علاقة له بالقمح المصدر، مع هذا من يسأل صاحب الرسالة، وكيف يدري الانسان العادي؟

الشائعات اعتدنا عليها مثل اثاث بيوتنا القديم لكنها هذه المرة تأخذ بعدا أكبر لسبب مختلف، فهي ليست احاديث مجالس تنتقل بالعدوى من فم الى آخر بل ترد الى الجميع مكتوبة ومطبوعة وتبدو كما لو كانت صادرة عن دار علم. وهذا ليس بسبب تدبير خبيث بل نتيجة للتطور في وسائل الاتصال حيث اصبحت في متناول يد الجميع وسائل الكتابة والتصميم الجميل والارسال السريع حتى يخيل للمتلقي انها من عمل حكومة كبرى في حين ان مرسلها ربما شاب صغير متحمس طَبَخها في غرفة نومه.

وليس من علاج للشائعات الا بالرد العلمي عليها، فان كان القمح مصابا او سليما فلنسأل الجهات الطبية المختصة، وان كان مسجد صخرة القبة معروضا من قبل الاسرائيليين فليخبرنا المفاوضون الفلسطينيون لنكتشف انها حيلة لسرقة الأقصى، ما عدا ذلك فانها خرافات تظهر وتختفي حسب الظروف السياسية. وقبل نحو عامين سرت شائعة تروج لحكاية ظهور علكة صدرها الاسرائيليون اذا مضغت اصيب صاحبها بالعقم، تبخرت بعد ان نفتها الجهات الرسمية واعتبرتها من خزعبلات الاعلاميين، بعدها عاد الناس لمضغ العلك من جديد. واظرف اشاعة سمعتها وكانت فتاكة بالفعل ما رواه لي مدلك في حمام دمشقي وكنت فيه مضطرا لسماع اخبار العالم منه وهو يمسك بعظامي. قال هناك حمام عظيم، اعتقد قال في حلب، اضطر صاحبه لاغلاقه. لماذا؟ سأل نفسه وأجاب؟ فيه كلام انه مسكون. سألته من سكنه؟ رد مستغربا جهلي يعني فيه عفاريت. ولانه لا توجد جهة متخصصة في الكشف عن وجود الجن فقد افلس الحمام، اما اشاعة القمح والتمر فمن السهولة اثبات كذبها وكذب اصحابها.