الجامعة العربية.. والدبلوماسية المصرية

TT

يدور في هذه الأيام حوار حول منصب الأمين العام للجامعة العربية الذي رشحت له مصر وزير خارجيتها عمرو موسى بعد انتهاء خدمة الدكتور أحمد عصمت عبد المجيد في مايو (ايار) المقبل، وتعددت وجهات النظر. جنح البعض الى تصوير مصر كأنها تحتكر المنصب وفضل أن يتم تبادل للمنصب يشكل قوة دافعة للجامعة لاستقرارها في القاهرة تبعا لميثاقها.

ومثل هذا الحوار مطلوب طالما يستهدف المصلحة العامة للأمة العربية، لأنه يعبر عن تفكير حر يحسن أن نهتدي به في مواجهة كل القضايا التي تحتاج منا الى نظرة قومية شاملة.

والجامعة العربية صدر بروتوكول تشكيلها في مدينة الاسكندرية في عهد مصطفى باشا النحاس رئيس الحكومة الوفدية يوم 7 اكتوبر (تشرين الأول) عام 1944وفي اليوم التالي مباشرة أقال الملك الوزارة وذلك ليتفادى هو والاستعمار ما استهدفه النحاس باشا من جعل الجامعة العربية منبرا للسياسة والأحزاب الوطنية العربية.

وكانت بريطانيا خلال فترة الحرب قد اكتشفت الروح المعادية لها، فأيدت فكرة انشاء الجامعة العربية كسرا لموجة العداء العربي، ومحاولة لتوجيه الدول العربية عن طريق حكامها الخاضعين لنفوذ الاستعمار. وأعلن انطوني ايدن وزير خارجية بريطانيا في مايو عام 1941 تأييد الحكومة البريطانية لذلك، وظلت الجامعة العربية تدور في فلك بريطانيا لأن معظم دولها كانت مستعمرة ومحتلة بجنود بريطانيين.

نص ميثاق الجامعة العربية على أن يكون مقرها في القاهرة، ولم ينص على أن يكون أمينها العام مصرياً. ولكن أول أمين عام لها كان عبد الرحمن باشا عزام الشخصية التي كانت معروفة على نطاق عربي، فهو الذي ألقى خطبة مصطفى النحاس باشا باسم الوفد في المؤتمر الاسلامي الأول الذي عقد بالقدس عام 1931، كما اشترك في المؤتمر العربي الذي عقد بعد المؤتمر الاسلامي وكان من أهم قراراته توحيد البلاد العربية واستنكار تجزئة فلسطين.

لم تكن مصر بعيدة ابدا عن أمتها العربية، خاصة حزب الوفد المعبر عن الارادة الشعبية، وعندما اشتعلت ثورة فلسطين الكبرى عام 1936 منعت حكومة الوفد التي كانت في السلطة وقتئذ سفر العمال المصريين الذين طلبتهم السلطات البريطانية ليحلوا محل العمال الفلسطينيين هناك كما تكونت «جامعة الرابطة العربية» عام 1936 برئاسة محمود بسيوني أحد زعماء الوفد ورئيس مجلس الشيوخ.

والجامعة العربية التي انشئت قبل الأمم المتحدة كانت أول تجمع اقليمي يضم قومية واحدة موزعة على عدة دول، لذا فإن أبوابها كانت مفتوحة لكل دولة عربية تحصل على استقلالها فتنامت من سبع دول الى 22 دولة الآن.

وشاءت الظروف ان يتولى منصب الأمين العام بعد عبد الرحمن باشا عزام ثلاثة من افراد الدبلوماسية المصرية: عبد الخالق حسونة ثم محمود رياض والدكتور أحمد عصمت عبد المجيد الذي كان وزيرا لخارجية مصر وما زال أمينا عاما حتى الآن.

ومعروف ان اختيار الأمين العام يكون بموافقة دول الجامعة من دون التزام بأن يكون مصريا، لذا فإن هذه الموافقة تعني رجحان الصالح العام واختيار الشخص المناسب لهذا المنصب الذي يحتاج الى روح قومية ومهارة دبلوماسية للتعامل مع أنظمة وحكومات متعددة الاتجاهات ومختلفة المصالح، لذا فإن الأمين العام يحتاج الى مواصفات ومؤهلات خاصة تجعله مقبولا من جميع الدول كما كان الأمر مع عبد الرحمن باشا عزام وعبد الخالق باشا حسونة الذي خلفه في منصبه وكان من السلك الدبلوماسي في عهد النظام الملكي واستطاع أن يدير دفة الجامعة بهدوء في وقت لم تكن قد شهدت فيه تناقضات بين الانظمة.

وعندما رشحت ثورة يوليو أمينا عاما للجامعة العربية عام 1964 وهو العام نفسه الذي دعا فيه جمال عبد الناصر الى أول مؤتمر قمة عربي في القاهرة، اختارت محمود رياض الذي شارك وهو ضابط في محادثات رودس مع اسرائيل التي انتهت بتوقيع الهدنة يوم 24 فبراير (شباط) 1949، وتولى بعد ذلك مسؤولية ادارة شؤون فلسطين في القيادة العامة الى أن قامت ثورة 23 يوليو وعين عام 1955سفيرا لدى سورية وتمت الوحدة خلال عمله هناك في 22 فبراير عام 1958، ثم أصبح مندوبا دائما لمصر لدى الأمم المتحدة الى أن عين وزيراً للخارجية، وهكذا كان المرشح المصري شخصية قومية معروفة أسهمت في قضية فلسطين منذ بدايتها.

وعندما تطورت الأمور وعقد (الرئيس المصري السابق) أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد وتقرر نقل مقر الجامعة من مصر، استقال محمود رياض وتولى الأمانة العامة الشاذلي القليبي عام 1979.

وعندما اصدر مؤتمر القمة العربي في الرباط قرارا بعودة مقر الجامعة العربية الى القاهرة عام 1989انتخب الدكتور عصمت عبد المجيد أمينا عاما، وما كاد يتولى المسؤولية في حرص على سلامة وهدوء «بيت العرب» كما اعتاد أن يطلق عليه حتى بدأت التسعينيات بغزو العراق للكويت واشتعال حرب الخليج الثانية، مما أضعف التضامن العربي ووضع الجامعة العربية في أزمة.

وأخيرا، ومع نهاية القرن العشرين واشتعال الانتفاضة الشعبية الفلسطينية تحقق انجاز كبير بقرار دورية انعقاد مؤتمر القمة العربي الذي سيجتمع في الأردن يوم 27 مارس (آذار) المقبل، مما يعتبر بداية انطلاق لمرحلة في الفعالية لمعالجة القضايا العربية بصورة شاملة ومتكاملة.

وتتوافق بداية هذه المرحلة مع انتهاء مدة خدمة الدكتور عصمت عبد المجيد وترشيح عمرو موسى لمنصب الأمين العام، وهو شخصية اختيرت خلال التسعينات كوزير خارجية لمصر وحققت نجاحا ملحوظا في مواجهة اسرائيل خلال المرحلة التي أعقبت مؤتمر مدريد. وتوافرت له خبرة وتجارب وحيوية لمسها العرب جميعا في مواقفه القومية وتحركاته السريعة وتصريحاته الناضجة مما يرجح أن تكون شخصيته دافعاً مهماً لتطوير اداء الجامعة العربية مع اطلالة القرن الواحد والعشرين لتكون تجمعا اقليميا معبرا عن قدرات الأمة العربية وطاقاتها. وهكذا تنسج العلاقة بين الجامعة العربية والدبلوماسية المصرية على أساس اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب.