عودة باول للمشروع السعودي

TT

فكرة كولن باول، الذي جال المنطقة ليعرف بنفسه كوزير خارجية الحكومة الاميركية، هي رفع كل الحظر الاقتصادي عن العراق. وهي نفس الفكرة التي قدمت لواشنطن قبل سنتين من ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ونشرت في «الشرق الأوسط». الاميركيون تحفظوا عليها عند اعلانها والتزموا الصمت وسارع العراقيون كالعادة ورفضوا المبادرة بعد اقل من اربع وعشرين ساعة من اعلانها على الملأ. والسبب من وجهة النظر السعودية حينها ان الحظر لم يعد مفيدا طالما ان الحكومة العراقية قد رمت به على المواطن العراقي ولم تعان منه. فهي احتالت على المشكلة بتحصيل اموال لاغراضها وتعطيل مشتريات الاغذية والادوية لتضمن تفاقم المأساة بما يكفي لتأليب العالم العربي ضد الحظر كله. استولت على مداخيل مبيعات النفط التي تبرمها في السوق السوداء عبر ايران والخليج والاردن وسورية وتباطأت في استخدام مداخيلها المعروفة المحفوظة في عهدة الامم المتحدة فلا يذهب الا جزء يسير منها لشراء الحاجات الضرورية.

الآن جاء باول يحمل الفكرة المرفوضة عراقيا والمتحفظ عليها اميركيا: رفع الحظر الا على المشتريات العسكرية. وهنا يجب ان نفهم اللعبة السياسية القائمة حاليا. فالاطراف المستفيدة من استمرار ازمة الحظر هي كل الدول باستثناء الدول الراعية للحظر، فالدول التي نرى وفودها الاغاثية والاقتصادية، العربية منها والاجنبية، في بغداد ستخسر من رفع الحظر. اذ ان بغداد عند رفعه ستستطيع شراء معظم ما تريده بسعر السوق العادية بدلا من ان تدفع مبالغ مضاعفة للسلع المشتراة ومبالغ للوفود الوسيطة كرشوة مقابل المساندة، او شكر على مواقف هذه الجماعات. ان معظم الدول التي تساند بغداد تأخذ مقابل مساندتها صفقات فورية مبالغا في اسعارها، لهذا فرفع الحظر سيضرب اولا تجار الحظر. سيفقدون بسببه ملايين الدولارات التي يجنونها اليوم من صفقات سهلة جدا وبأرباح عالية جدا.

الخطة ناجحة وصارت علنية منذ اربع سنوات تقريبا حتى صار معروفا لكل اطراف الأزمة ان مسار الحظر الاقتصادي اصبح يسير في طريق حافل بالمخاطر السياسية، وان القيادة العراقية نجحت في تحويله الى سلاح لصالحها، ضامنة حيازتها الدائمة للاموال التي تحتاجها لعملياتها وضامنة استمرار المعاناة الداخلية.

ولأنه عرف عن الاميركيين عجزهم عن فهم طبيعة العمل السياسي في المنطقة العربية لم يلتقطوا المشروع السعودي، كما يفترض، بل اعتمدوا على منطقهم الدائم القائل بفرض الامر الواقع بالقوة العسكرية المحمية بالقرارات الدولية. ولأننا سكان هذه المنطقة نعرف جيدا انها سياسة خائبة تماما. الآن الفكرة مطروحة على الطاولة ومع انها جاءت متأخرة تبقى ضرورية، ليس من اجل محاصرة النظام العراقي، فهذا أمر اصبح متأخرا ايضا، لكن من اجل تصحيح الوضع الانساني على الارض. الآن ستواجهنا مشكلة جديدة: ماذا لو رفضتها بغداد؟ فهي قد تفعل لأنها في موقف تفاوضي قوي، فهي اليوم قادرة على شراء ما تريد رغم الحظر ولا تبالي بمعاناة مواطنيها.

باول لديه حل جهنمي وهو مصادرة الاموال التي بيع بها النفط ان لم تستخدمها بغداد. والسؤال هل يستطيع ان يقنع الدول الثلاث الأخرى في مجلس الأمن المستفيدة ماليا من الحظر؟