الصحافة والصحافيون

TT

نشرت «الراية» القطرية وقائع حوار يقول فيه شبان قطريون ان صحافتهم لا تفتح أبوابها لهم. ولست على معرفة اطلاقاً بواقع الصحافة القطرية التي لم تحاول التوزيع في الخارج، بعكس صحف خليجية اخرى. لكن طرح هذه القضية جعلني اتساءل، اين تنمو الصحافة حقاً؟ وما هي شروط او مناخات النمو؟. في النقاشات التي نشرت اخيراً حول الاتجاهات الاصلاحية في سورية، قال بعض الكتاب انه في العقود الماضية لم يظهر صحافيون جدد في دمشق. والمقصود بذلك ان الصحافة لا تنمو في غياب الحرية او في ظل الرقابة. لكن هل الحرية وحدها تكفي لنشوء جيل صحافي او صناعة صحافية؟ ما هو «سرّ» الصحافة؟ لماذا تزدهر في مكان وتغيب في آخر؟

الحقيقة انه ليست هناك «وصفة» سحرية ولا سرَّ مغلق. لكن الصحافة بطبيعتها تلحق القضايا. وقد انشئت الصحافة اللبنانية في القرن التاسع عشر في ظل العمل من اجل الاستقلال. وكانت الصحافة في مصر جزءاً من نهضة ادبية عامة وعارمة كان لا بدَّ ان تعبر عن نفسها من خلال النشر. وحاولت الصحافة الكويتية في السبعينات والثمانينات ان تأخذ الحيز الذي اخلته الصحافة المصرية المغيبة بعد كامب ديفيد، والصحافة اللبنانية الغارقة في الحرب. وبقيت الصحافة الجزائرية داخل الحدود وملهية بقضاياها الكثيرة برغم ظهور طبقة رائعة من الكتاب والمثقفين وذوي المواهب والمشاعر. وثمة نهضة واسعة في المغرب الآن لكنها ايضاً ضمن جدران البلد ولم تحاول عبور الحدود الى الخارج. وبعض الصحافة في تونس راق ومهني لكنه يعاني من المشكلة نفسها. فالصحافة التونسية تقصر توزيعها في اوروبا على المناطق التي يكثر فيها المهاجرون التوانسة. اما «المشكلة» الاخرى فهي ان عدداً من الصحف التونسية والجزائرية والمغربية ذات المستوى، يصدر باللغة الفرنسية، لأسباب وظروف «طبيعية» لم تزل الى الآن.

فلنعد الى الصحافة القطرية. هنا يبدو ان الشكوى محصورة في «النشر» وليس في العمل. فالكثيرون من الخليجيين يعتبرون ان الصحافة هي فقط كتابة المقالات والآراء على ان تترك الاعمال الباقية للمحترفين من المقيمين. لكن الواقع ان هذه الحال لم تعد جائزة الآن. فالصحافة تتحول يوماً بعد آخر الى صناعة متكاملة تقوم على اكتشاف «المجهولين» اكثر من المعروفين. ولا يكفي اطلاقاً ان يمتلك صاحب العمل «الرأسمال» من دون ان يمتلك معه الادارة وجزءاً كبيراً من العمل. وربما كانت «قناة الجزيرة» من قطر احد الادلة على ذلك. فهي حاشدة بالعاملين من المغرب والمشرق معاً، لكن العنصر القطري العامل لا يزال في خانة «الضيوف». ولا بدَّ من الوقت والممارسة والخطأ والصواب قبل قيام جيل مهني. وفي الصحافة ـ بعكس مهن كثيرة ـ يبدأ التدريب من تحت لا من فوق. وكان كامل مروة مؤسس «الحياة» قد فرض على ابنه البكر جميل ان يبدأ تجربته الصحافية في المطبعة مع المصححين لكي يعرف المهنة من «اولها» وليس من آخرها. وفي هذا النطاق يشار الى صحافة البحرين، حيث ألحظ كلما زرت «الايام» جميع «طبقات» العاملين من البحرينيين، وليس فقط رئيس التحرير والاداريين. لقد طرأ على هذه المهنة تقدم هائل في السنوات الاخيرة لكن لا يزال من شروطها ان يتنشق الصحافي رائحة الحبر.