هذا الحشد العظيم

TT

بالتئام شمل ما يزيد على ألفي مسلم في مكة اليوم لاداء مناسك الحج السنوية، تتجه انظار العالم، من جديد، الى الدور الذي يمكن ان يتسنمه الاسلام لنفسه في هذا الزمن المعولم.

ويمثل الحج اضخم تجمع للبشر الوافدين من كل بقاع العالم تقريبا لاداء الشعائر الدينية. ففي هذا العام، توافد الحجيج من 177 دولة تضم كافة الاعراق والاثنيات والجنسيات والشرائح الاجتماعية في العالم. ويخترق الاسلام، هذا الدين العالمي، كل الحدود التي رسمها الناس بينهم، تأكيدا لتعاليمه الجوهرية في وحدة البشرية. ويأتي موسم الحج هذا العام على خلفية من التوترات والنزاعات التي يعد المسلمون طرفا فيها. فمن بين النزاعات الـ 22 المندلعة حاليا والتي سجلتها الامم المتحدة، 18 من بينها لها علاقة بالمسلمين، علاوة على ان آخر النزاعات الاستعمارية في الاراضي الفلسطينية المحتلة من قبل اسرائيل وفي الشيشان وكشمير، مثلا، تؤثر مباشرة في شعوب اسلامية برمتها. الى جانب ذلك، هناك تفاوت حاد في مستويات المعيشة بين الشعوب الاسلامية، كما ان من بين افقر الدول الخمس في العالم اربعا منها اسلامية، فضلا عن ان اغلبية المسلمين الذين يقدر عددهم بحوالي 3.1 مليار مسلم في العالم يعيشون على اقل من دولارين في اليوم.

مع ذلك، فان الاسلام يعد من بين الاديان الاكثر انتشارا في العالم، وهذا الانتشار المتصاعد في مناطق تبعد آلاف الكيلومترات عن مهد الاسلام الاصلي ما هو الا شهادة على اهميته وصلته بحياة الملايين من اصحاب الارث التاريخي المتنوع. ولا يدين الاسلام بتوسعه وانتشاره الى الفتوحات العسكرية او الهيمنة الاقتصادية، بل لمحض قوة رسالته. ويمثل الاسلام حاليا التجمع الديني الثاني الأضخم في القارة الاوروبية والاميركية. ويتجلى هذا الوجه الاوروبي ـ الاميركي للاسلام هذا العام بصورة اكبر مما كان عليها في الماضي بضخامة اعداد الحجيج التي توافدت من هناك.

وما من شك في ان الحجيج في ادعيتهم وصلواتهم سيبتهلون ويسألون الله النصر للشعب الفلسطيني في مطلبه الشرعي لتحقيق استقلاله وكرامته. كما سيذكر الحجيج في دعائهم شعب الشيشان، الذي حولت الحرب العدوانية، التي تواصلت طيلة الاعوام الـ250 الماضية وطنه الى خراب. كما سيدعو الحجيج لافغانستان واطفالها الذين يموتون بالمئات من البرد والجوع كل يوم، ولكشمير التي لا تزال تعاني من حرمانها من حقها في تقرير المصير.

ويظل الحج كما كان دائما زمنا للسلام والتعاطف والتأمل الذاتي، وينبغي ان يشمل هذا التأمل، الذي يبدأ بالحاج نفسه، عموم المسلمين.