الجماعات الإرهابية.. مشكلة أم مبرر؟

TT

القائمة التي أصدرتها بريطانيا عن المنظمات التي سيمسها قانون الإرهاب الجديد لم تعطنا أي صورة جديدة عن واقع هذه المنظمات أو طبيعة أعمالها، بقدر ما لفتت أنظارنا لجانب آخر يعكس الصورة القاتمة للعالم العربي والإسلامي. فمن بين 21 منظمة، قالت الداخلية البريطانية إنها منظمات «معنية بالإرهاب»، هناك 18 إسلامية بينها 10 عربية.

هذا العدد الكبير من المنظمات العربية التي تقول عنها بريطانيا إنها تقوم بأعمال عسكرية داخل بلدانها أو خارجها أمر يحتاج إلى معالجة «عربية»، وليس فقط إلى قرارات تتخذها لندن أو باريس بحظر عمل هذه المنظمات أو تجفيف منابع دعمها، لأن هذه قضايا إجرائية قد تحد من الوجود العلني لهذه المنظمات على الأراضي البريطانية أو غيرها، لكنها لن تحل جذور المشاكل التي صنعت هذه المنظمات أو حولت أفرادها من مواطنين عاديين إلى إرهابيين دوليين تحسب لهم الدول الكبرى ألف حساب.

قد يعتقد بعض وزراء الداخلية في بلادنا أن قرار لندن الأخير يعد استجابة لمطالبهم المتكررة بالتضييق على هؤلاء الأشرار، وقد يذهبون أبعد من ذلك فيعتقدون أنهم حققواً إنجازاً كبيراً في محاربتهم للإرهاب، وأرغموا دولة مثل بريطانيا على مراجعة قوانينها واستحداث تشريعات جديدة. إذا تبادر إلى أذهان المسؤولين في البلاد العربية مثل هذا الاعتقاد، واكتفوا بتصوير المشكلة عند هذا الحد، فإن المصيبة المتأتية من هؤلاء «الأشرار» ستكون في المستقبل أسوأ لا محالة.

إن الإرهاب الصادر من بعض البلاد العربية له أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية شكلت معظمها السلطات الحاكمة على مدى عقود. وبالتالي فإن السلطة بالدولة العربية قد التحمت في علاقة متينة جداً بواقع هذه المنظمات، وفك هذا الارتباط لن يمكنه أن يتم، على ما يبدو، إلا بإجراءات سلمية هادئة من الطرفين، تعيد إلى العالم العربي أمنه من أخطار عمل هذه الجماعات، وإلى سمعة الإنسان العربي مكانتها وسط الغربيين.

صحيح أن هذه الجماعات خطيرة وتهدد الدولة العربية القومية، لأن معظمها لا يملك رؤية محددة لأهدافه. والمعلومات التي قدمتها الداخلية البريطانية عن كل منظمة ضمن القائمة تشير إلى تفريق خطير بين بعض المنظمات العربية والأخرى غير العربية. فالأخيرة كلها تناضل من أجل تحقيق استقلال إقليم معين، أما الأولى فإن أهدافها فضفاضة طوباوية غير محددة ولا عملية. لكن جزءاً من مشكلة هذا الواقع المعقد يكمن في استغلال السلطة بالدولة العربية لسذاجة هذه الجماعات وقطع أي محاولة للحوار معها وربما دفعها لمزيد من ممارسة العمل المسلح، من أجل تبرير الاستمرار في فرض حالات الطوارئ وتأجيل ممارسة الديمقراطية. ما يدفعنا لهذا الاعتقاد ينبع من الحقيقة التي غرستها السلطة في بعض الدول العربية عن نفسها وهي بحثها الدائم عن مبررات تأجيل الممارسة الديمقراطية، وغول الجماعات الإرهابية يبدو مبرراً مثالياً لهذه الغاية الصعبة.

والجزء الثاني من المشكلة ينبع من رفض الحكومات العربية الإقرار بأنها تشارك عبر رفضها لفسح مجالات الحوار أمام الناس في جعل هذه الجماعات الإرهابية أكثر إرهاباً، وقد يرتفع العدد من عشرة اليوم إلى عشرين في الغد. والحجة التي تقدمها بعض الحكومات العربية والقائمة على أساس أن الأولوية هي لمحاربة الإرهاب وليس للديمقراطية، قد ساعدت في إضفاء الشرعية على عمل هذه المنظمات، ولعل هذا ما يدفع يومياً قطاعات عريضة من الدول الغربية، مثل منظمات حقوق الإنسان والإعلام والأكاديميين، للضغط على حكوماتهم من أجل رفض القيام بنفس الدور الذي تقوم به الحكومات العربية مع هذه الجماعات.