حتى لا نقع في مطبات شارون

TT

يواجه العرب حملة اعلامية صهيونية منظمة لا مناص لهم من خوضها.. اذا نجحنا في مواجهة هذه الحملة سنكون على الاقل قد ابعدنا شبح العدوان الاسرائيلي المرتقب، واذا اهملنا تلك الحملة الاعلامية او فشلنا فيها، فسنكون قد ساهمنا في تمهيد الطريق للجنرال شارون لشن الحرب التي لا يفهم غيرها سبيلاً لصنع السياسة، وهو يمهد لتلك الحرب الآن بالحفاظ على تحالفه الداخلي عبر الاستجابة التظاهرية للمفاوضات ولكن بشروط، ويمهد للحرب بكسب الحملة الاعلامية عبر العالم بادعاء ان الفلسطينيين والعرب يريدون الحرب ويرفضون السلام مع اسرائيل والاعتراف بها ويشنون عنفاً على الجنود والشعب الاسرائيلي. ولأننا لا نصدق ان كذبة بهذا الحجم والشكل يمكن ان تنطلي على العالم، ستأخذنا الظنون فوراً لوجود مؤامرة اسرائيلية اميركية غربية، إذا انطلت خدعة شارون وبيريس على الآخرين، وسيكون هذا اول فخ نقع فيه مجدداً، مفترضين ان العالم ضدنا.. وحقيقة الامر ان للعالم مشاغل اخرى مهمة، وعلينا ألا نفترض علمهم المسبق بدقائق الامور في منطقتنا، خصوصاً اذا كانت دبلوماسيتنا وحكوماتنا قد اخفقت في توضيح الرؤى للآخرين. من المهم الآن ألا نرى في كل تصريح غربي مطالب بوقف العنف، موقفاً مضاداً للانتفاضة وللاسس العربية، من الاجدر ان نسأل انفسنا كيف، ولماذا نجحت اسرائيل في تحويل الضحية الفلسطينية الى معتد على الجيش والشعب الاسرائيلي؟ كنا نعرف قبل اسبوع على الاقل ان شارون سيعزف على هذه النغمة في واشنطن، ونعرف ان الادارة الاميركية لا يمكنها الا ان تشجب العنف، خصوصاً اذا اقترن الادعاء الاسرائيلي برواية الرفض الفلسطيني «للعرض السخي» من الحكومة الاسرائيلية السابقة، وبعرض العودة للمفاوضات ولكن بعد وقف كل اعمال العنف، اضافة الى اعلانات اسرائيل (عبر رئيس وزرائها شارون انها خففت الحصار الذي فرضه باراك على المدن والمناطق الفلسطينية، وستعامل المناطق الهادئة بشكل افضل، ولن تعاقب الشعب الفلسطيني المسالم ولكنها ستعاقب القيادات المشاغبة، وغير ذلك من الحيل والفنون الناجحة الى الان، والتي تمثل لُب الحملة الاعلامية الشرسة.. ومجدداً علينا تذكر ان نجاح اسرائيل اعلامياً ليس هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة لتبرير عدوان عسكري في المنطقة يلهي العالم عن مشكلة الارض المحتلة عام سبعة وستين ويشغله باستعادة الارض التي ستحتل، تماماً كما ألهت حرب حزيران الجميع عن الارض المحتلة عام ثمانية واربعين. لو كنت في موقع صانع القرار الفلسطيني لارسلت للادارة الاميركية قبل، او اثناء، او حتى بعد زيارة شارون، اوافقها على مطالبها بوقف العنف والعودة لطاولة المفاوضات وتحسين الوضع الاقتصادي الفلسطيني... ولطلبت من الادارة ايضاً الاعلان عن شجب الارهاب، واحترام الاتفاقيات الموقعة وتطبيقها، والاهتداء بالشرعية الدولية. في الواقع انه من العجيب ان تكون الخسائر البشرية في الطرف الفلسطيني خمسة اضعاف مثيلها في الطرف الاسرائيلي، والاصابات البشرية عشرين ضعفا، من دون الحديث عن الخسائر الاقتصادية وتدمير البنية التحتية، او الحديث عن العقاب الجماعي والتجويع ورفض ايصال الدعم من دول عربية لديها اتفاقيات ومعاهدات سلام مع اسرائيل.. من العجيب ان يتم كل ذلك وينجح شارون تحديداً في تلبيس الفلسطيني ثوب العنف والعدوان. لذلك كان، وما زال، علينا خوض المعركة الاعلامية بذكاء ووضوح، والاعلام لا يعني بالضرورة الصحف والتلفزة الغربية فقط، وانما صناع القرار في العالم الغربي ايضاً لان افشال مهمة شارون في كسبهم واقناعهم بالزيف سوف تحد من تغريره بهم ومن خططه الحربية. من المهم ان تشمل الحملة الاعلامية الفلسطينية توضيحاً جلياً، للفلسطينيين وللاخوة العرب وللعالم طبعاً، حول العرض الذي نوقش في كامب ديفيد. كان من التكتيك الى الآن عدم التوضيح حتى يكرر اليهود المقولة ويتقبلونها ويحرجوا لاحقاً بعدم عرض اقل منها، لكن الامور تغيرت الآن وسيكون الضرر اقل باعلان الحقيقة، وملخصها ان العرض لم يكن فعلاً باعادة خمسة وتسعين في المائة من الارض المحتلة، وانما بالاحتفاظ بربع الضفة الغربية، أي مساحة القدس الكبرى واعادة اجزاء صغيرة من الأحياء داخل وسط المدينة القديمة. واكد شلومو بن عامي وزير الخارجية آنذاك لهذه الصحيفة اثناء عودته من واشنطن انهم طالبوا بحق الصلاة واقامة معبد في ساحة الحرم القدسي الشريف.. كذلك ارادوا استئجار كل غور الاردن (خمس الضفة) واقامة قواعد عسكرية وحق دخول للضفة والقطاع لدواعي الأمن (يخلقونها بتقرير استخباري)، وطالبوا بتنازل عن حق العودة للاجئين، أي الغاء الشرعية الدولية وقراراتها.. الاهم من ذلك ان باراك اراد الموافقة الفلسطينية اولاً ثم الذهاب بالعرض للكنيست وللشعب الاسرائيلي وتحويل الانتخابات الى استفتاء حول ذلك الحل، أي لم يكن لديه القدرة على اتخاذ القرار اصلاً. هذه الامور وبالتفصيل وما كانت ستعنيه يجب ان تذكر الآن للعالم اجمع، بالاضافة الى ان الحقوق الفلسطينية ثابتة لا تزول او تنقص بزوال رئيس وزراء او برفض عرضه «الكريم». كذلك ان باراك ومن سبقه وشارون الآن لا ينفذون اصلاً ما اتفق عليه ولكنهم يريدون ابتزاز التنازلات، ثم اختلاق المشاكل للتهرب من التطبيق. اعتقد انه من الاجدى للفلسطينيين الابتعاد، وبدعم عربي، عن فكرة الحل النهائي لان شارون لن يستجيب، وإن استجاب لن يعرض غير ما عرضه باراك (في احسن الاحوال) وهذا مرفوض، والاجدى وعلى كل الصّعد المطالبة بتطبيق الاتفاقيات التي وقعت سابقاً بين السلطة الفلسطينية والحكومات الاسرائيلية... شارون لن يلتزم، ولكن العالم سيقف ضده لانه يرفض الحل النهائي، كما يقول، وسيرفض تطبيق الحلول السابقة (ولا بأس إن قبل تطبيق اعادة النازحين، اخلاء قرى القدس، اطلاق سراح الاسرى، الانسحاب من كل الارض عدا عشرة في المائة، ثم الجلوس للمفاوضات حول قضايا الحل النهائي).

حتى يُحدث الشعب الفلسطيني صدمة هائلة في المجتمع الدولي تثبت صلابته وليونته في الوقت ذاته، سيكون بحاجة للقدرة على تبني متغيرات سريعة من شقين: الاول قرار من السلطة يطالب كل المسلحين في الشعب بالامتناع وحتى إشعار آخر عن اطلاق النار الا في حالات ضرورة الدفاع عن النفس، واعتبار هذا القرار لاغياً على الفور بعد قتل اسرائيل لأي فلسطيني. والشق الآخر هو زيادة وتعميم المسيرات الشعبية السلمية تماماً، وبشهود اثبات على سلميتها، ضد الحصار وجنود الاحتلال كما حدث في رام الله هذا الاسبوع، ومسيرات من مخيمات اللاجئين في الضفة والقطاع الى قراهم الاصلية (سلمية مائة في المائة وبأعلام الامم المتحدة). لسنا هنا بحاجة لتبرير هذا الفعل وأهميته، فالسلاح لم يكن من ادوات الانتفاضة واستعماله حتى الآن اعطى نتائج سلبية على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في الضفة والقطاع، كما زيف استعمال السلاح الحقائق باظهار الفلسطيني نداً عسكرياً للاسرائيلي. أما المسيرات فهي تطبيق لقرارات دولية، ومهما كانت النتيجة فستكون اقل خسائر بشرية وافضل اعلامياً وهزيمة نكراء لشارون وافشالا لخططه وافخاخه.

عشية مؤتمر القمة الاسبوع القادم يحتاج الشعب الفلسطيني ايضاً الى قرار من سلطته الوطنية بالنزول عند رغبة جزء من الشارع العربي والفلسطيني وبعض الحكومات العربية حسنة النية، وذلك بايجاد صيغة صاخبة لاثبات الشفافية في التعامل مع اموال الدعم العربي. والوضع المزري الحالي ليس الاول، وطالما ان امتنا تقف مع الانتفاضة، وحكوماتنا استجابت لنداء الأخوة ووفرت الدعم فلماذا لا تسارع السلطة الفلسطينية بازالة العراقيل من امام ايصال الدعم بأي طريقة يريدها الاخوة العرب طالما انها تؤمَن الدعم واستمرار الانتفاضة؟ فقد قيل الكثير بعد قمة القاهرة التي وفرت الاموال ولكنها لم تصل.. الآن نريد اعلان مواقف صريحة، من التزَمَ؟ من تهرب ولماذا؟ ما سبب عدم وصول الدعم؟ ما هي افضل الطرق ومن يعيقها؟ فالامر لم يعد يتحمل مسح جوخ وتقبيل ذقون، فاذا لم يصل الدعم ستتراجع الانتفاضة ويصيب اليأس الامة وتنتصر اسرائيل وتستعد لاختراقات اضافية، ومن الخطأ الاستراتيجي الجسيم الاعتقاد بأن انتصار اسرائيل على الفلسطينيين سينهي عدوانيتها ويعفي المنطقة من شرورها.. الشعب الفلسطيني، يرحمكم الله، هو خطنا العربي الدفاعي الاول. لقد كثرت المطالب ـ كالعادة ـ من الزعماء العرب عشية انعقاد قمتهم، ورغم ما نراه من عدم تطبيق للقرارات، فلا بأس من القاء الدلو بطلب متواضع اظنه مفيداً، وهو تشكيل لجنة اعلامية دبلوماسية موسعة ذات موازنة معقولة، تنشط في مجال دعم الانتفاضة عالمياً، وليس عربياً، وذلك بتوصيل المجريات لما يدور بدون مبالغات الى حكومات العالم، والى المؤسسات الدولية، والاعلام العالمي، وتلخيص الوضع امام الزعماء العرب قبيل اتصالاتهم وسفرهم او استقبالهم للضيوف الاجانب ليوحدوا رؤاهم ومواقفهم في هذه القضية امام الغير وحتى تكون القضية المركزية حاضرة دوماً. من الافضل ان تقوم كل قياداتنا العربية بأقل ما يمكنها، ولكن على احسن وجه، من ان تسطر القرارات الرنانة التي لا تطبق.. وفي كل الاحوال فالامة العربية تنتظر من قمة عمان جرد حساب عن تطبيق القرارات السابقة للقمة العربية.