الرقمان الأصعبان في جدول أعمال القمة العربية

TT

حدد وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التحضيري جدول اعمال القمة العربية التي ستنعقد في عمان (الأردن) يومي 27 و28 مارس (آذار) الجاري. وتضمن الجدول قضيتين بالغتي الصعوبة والتعقيد. اولاهما قضية فلسطين والقدس، وثانيتهما قضية العراق التي أُطلق عليها المسألة (أو الحالة) العراقية.

وإذا كان تسجيل قضية فلسطين في جدول أعمال اللقاءات العربية قد أمسى شأنا معتادا حتى لا نقول روتينيا، لأن قضية فلسطين كانت دائما وطيلة ما يزيد على نصف قرن، محور التداول والنقاش العربي، فإنها أصبحت بعد تأليف حكومة وحدة الجنرالات والحاخامات تحت رئاسة «شارون» الرقم الأصعب في معادلة بحث العرب وسائر العالم عن السلام الذي وصل بكل تأكيد إلى الباب المسدود بعد أن وضع عليه برنامج «شارون» المزيد من الأقفال والمزاليج. أما الرقم الثاني الصعب في المعادلة فيعني تسجيلُه في جدول الأعمال بروزَ استعداد مبدئي عند دول الجامعة العربية لاقتحام معضلة العراق وتناولها بالدرس والتمحيص والمصارحة. وهذا ما كان محرَّما أو متهيَّبا اختراقُه على الجامعة العربية لما تكتسبه قضية العراق من تعقيد وحساسية، بحكم أن الغزو العراقي للكويت شل وحدة التضامن العربي، وأحدث شرخا في الجامعة العربية، وأدمى جرحا لم يندمل بعدُ عند دولتي الكويت والسعودية، وأَثّر حتى على وحدة الصف العربي إزاء القضايا الحيوية وفي طليعتها القضية الفلسطينية نفسها. وكل هذا يجعل من قضية العراق شأنا صعب التناول، لكن عواقبه المأساوية تفرض على الجامعة العربية اختراقه بالكثير من المرونة والحيطة، حتى تنتهي المداولات في القمة المنتظرة إلى التخفيف من تعقيدات هذه القضية الشائكة، والاتفاق المبدئي على الأقل على تجاوزها عن طريق خطة للتصالح الذي لا تزال لم تتوفر الظروف الموضوعية للتوصل إليه. ومن واجب جميع الأطراف العربية المعنية والجامعة العربية العمل على خلق هذه الظروف.

أعتقد أن برنامج «شارون» كفى العرب احتمال الاختلاف على تقييمه لأنه واضح كل الوضوح: إنه إعلان حرب على فلسطين تستهدف تصفيتَها جسديا ومعنويا، وهو مس بكرامة العالمين العربي والإسلامي، وتحد سافر لدعوة السلام العالمية، وإهانة للشرعية الدولية واستخفاف بالغ بمقرراتها.

إن إسرائيل بهذه الحرب قررت أن تفرض على دول الاتحاد الأوروبي، ودول عدم الانحياز، وقوات السلام في العالم المسانِدة لعدالة القضية الفلسطينية أن تركع خانعة لقوة إسرائيل الجهنمية التي تراهن حكومة «شارون» على أنها هي الوسيلة الوحيدة لحل مشكلة فلسطين بإبادة شعبها، وتصفيته جماعيا، لتنتهي الحرب بنهاية المحارب ـ كما يقول التعبير الفرنسي ـ، ويسْلَم الحدُّ لمحدوده ـ كما يقول المناطقة ـ.

ويظهر من برنامج حكومة «شارون» أنها تقوم بوأد الملف الفلسطيني، وتغلق الأبواب في وجه إمكانية العودة إلى المفاوضات، وأنها تخطط لإجبار ما بقي من شعب فلسطين على النزوح منها إلى أراضي الشتات. وهكذا تنتهي قضية فلسطين على شكل المقولة المشهورة العجيبة: «كم من حاجة قضيناها بتركها».

أنا على يقين أن القادة العرب المشاركين في قمة عمان سيكونون واعين بالمسؤولية الخطيرة التي يلقيها عليهم دخول عملية السلام في المأزق الخطير الذي انتهت إليه، وأن مداولاتهم ومقرراتهم ستعكس مدى قلقهم على مصيرها، وستخاطب العالم والمجتمع الدولي بلغة الحزم وتحثهما على تحمل مسؤولياتهما في مواجهة نزوع إسرائيل إلى حل مشكلة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بالقوة والقوة وحدها. كما تُحسِّسهما بخطر التحدي الصارخ الذي تقذف به إسرائيل في وجه المجتمع الحضاري المعاصر. وستُدين القمة العربية إسرائيل لاختيارها التموقع في خانة الدولة المتمردة على الشرعية الدولية، وستعلن أن الحرب الإسرائيلية المعلنة على شعب فلسطين تساوي إعلان الحرب على المجتمع الدولي، والنظام العالمي الجديد، وجميع ما جاء به من مثل وقيم وأخلاقيات.

لكني أقترح على القمة التي تنعقد في هذا الظرف الاستثنائي الخطير بالنسبة لمصير السلام أن تؤسس لجنة متابعة وزارية تعهد إليها بالتوجه إلى مصادر القرار الدولي عبر العالم لتحسيسها بخطر إعادة حكومة شارون لعهد النازية المندثرة، التي هددت العالم عامة وأوروبا خاصة، وقادت حربا عنصرية في أواخر ثلاثينات القرن العشرين، كان من الممكن تلافيها لو بادر العالم الحر إلى احتوائها بمجرد ظهورها عند قيام الرايخ الثالث، وصدور التهديدات الأولى من هتلر. لكن تباطؤ العالم الحر وتردده أديا إلى تحول ألمانيا إلى أعظم دولة مسلحة في أوروبا كلفت حربُها الظالمةُ الإنسانيةَ كلها مخاطر وأهوالاً ومآسي. وعلى المجتمع الدولي أن لا يترك النازية الجديدة تستعرض عضلاتها اليوم ضد فلسطين، وغداً ضد العالم العربي والإسلامي، لئلا تتكرر ذاكرة النازية القديمة على يد جيش إسرائيل الذي يقال عنه إنه أقوى رابع جيش في عالم اليوم، وأنه يملك الأسلحة المتطورة الأمريكية من آخر طراز، وأن له قدرات نووية لا تهدد الشرق الأوسط وحده.

وأقترح أن تتشكل اللجنة الوزارية من الأمين العام للجامعة العربية، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، لينقلا إلى مصادر القرار العالمي قلق العالم العربي الإسلامي ومخاوفه على السلام، ويركزا على قضية القدس التي لا يقبل مسلمو العالم العربي الإسلامي في شأن تحريرها من قبضة إسرائيل أية مساومة أو مقايضة، ومن وزير خارجية المملكة الأردنية بوصفها رئيسة دورة القمة العربية، ووزير خارجية دولة قطر بوصفها رئيسة دورة القمة الإسلامية، ومن وزير خارجية المملكة المغربية بوصفه نائبا عن جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس. وسيكون مصير القدس في طليعة القضايا المطروحة من طرف الوفد للنقاش سواء مع الأمين العام للأمم المتحدة، أو مجلس الأمن، أو مع الاتحاد الأوروبي، أو مجموعة عدم الانحياز، أو مصادر القرار في البيت الأبيض بواشنطن، أو مع الكونغرس الأمريكي بمجلسيه. وتركز هذه اللجنة في جميع اتصالاتها على ضرورة حل مشكلة النزاع العربي الإسرائيلي بتطبيق مقررات الشرعية الدولية التي تُجمع على رفض الاحتلال الإسرائيلي، وتُقِرُّ أن ما انتُزع بالقوة وبالحرب يُردُّ إلى أصحابه بقوة الشرعية التي تعلو على الجميع.

أما عن قضية العراق فيبدو أن تسجيلها في جدول أعمال القمة قد لا يتجاوز في هذه الدورة الالتفاف برفق على الموضوع. وقد لا ينتهي إلى أكثر من التضامن مع شعب العراق الذي ابتُلي بمأساة طالت عشر سنوات. وهذا وحده لا يكفي لأني أعتقد أنه آن الأوان لتجاوز التضامن مع الشعب العراقي إلى مرحلة مصارحة نظامه ومطالبته بخلق الظروف الموضوعية للتصالح وإعادة العراق إلى قيامه بدوره الفاعل في المجموعة العربية.

وأرى أن حل مشكلة العراق يفرض عليه المزيد من شفافية الموقف، بما يزيح الأشواك عن طريق التفاهم معه، وعودة ثقة العرب جميعا في حسن نيته ورغبته الصادقة في طي صفحة الماضي. وانطلاقة هذه التنازلات تتشكل في إعلان رسمي من العراق عن أسفه لما حدث (إذا كان العراق يفضل كلمة الأسف على كلمة الاعتذار). وعن احترامه لسيادة ووحدة تراب جيرانه (الكويت والسعودية)، وتطلعه إلى تعاون صادق مع إخوته العرب بدون خلفيات ولا تحفظات. كما يُطلَب من الكويت والسعودية إصدار إعلان رسمي باحترام حدود العراق ووحدة ترابه وسيادته والمطالبة برفع الحصار وإلغاء العقوبات المفروضة عليه. وعلى العراق أن يبدد شكوك المجتمع الدولي في أنه تخلص من أسلحة الدمار الشامل، ويؤكد أنه ملتزم بقرارات الشرعية الدولية، وأنه يستشرف المستقبل ولا يتحجر في أغوار الماضي.

وبذلك تعود الأمة العربية إلى وحدة صفها ليس حول «المسألة العراقية» ولكن حول عدالة القضية العراقية، وتتعبأ الجامعة العربية لنصرتها مثلما تناصر قضية تحرير فلسطين والقدس من الاحتلال، وتقف في صف موحد متراص صامدة في وجه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وإخراج قضية النزاع العربي الإسرائيلي من مأزقها.

ولا مناص للعرب من مواجهة قوة إسرائيل برفع الأشواك عن طريق التضامن العربي الشامل، وبترصيص صف السلام لإحقاق الحق العربي وفرض السلام العادل الذي يضع حدا للتمرد الإسرائيلي على قيم وإرادة المجتمع الدولي.