وقفة مع التراث (3)

TT

كثير من الناس وأنا واحد منهم، صدموا عندما قام جمع من الفنانين والكتاب والمثقفين العرب بزيارة بغداد ولقاء الرئيس العراقي والمتاجرة بمحنة الشعب العراقي، في سبيل الحصول على حفنة من الدولارات واليوروات.

لكنني وجدت بعد تفكير هادئ، ان ما حدث هو أمر طبيعي جداً.. فالفنان جزء من النسيج الثقافي العام للأمة، وثقافة تمجد الطواغيت الصغار كأبي الطيب المتنبي، لا بد وان تفرز هذا النوع من الفنانين الذين ينظرون الى الكذب باعتباره شطارة وفهلوة، وبوصفه احدى علامات الذكاء والعبقرية.

ان علتنا الحقيقية تكمن في الثقافة التي تمجد هؤلاء الطغاة الصغار الذين باعوا مواهبهم ووظفوها لصالح الطغاة الكبار.. في حين ان هذه الثقافة كانت ولا تزال تتعامل باهمال شديد مع كل الفنانين والشعراء الذين نذروا مواهبهم في خدمة قيم الحق والحرية والخير والجمال.

اننا لم نحترم حتى الآن شاعراً حراً كأبي العلاء المعري ولم نكتشفه إلا بعد ان اعاد طه حسين اكتشافه عبر العديد من الكتب والأبحاث والدراسات. أما الحلاج الذي اختار ان يُصلب دفاعاً عن قيمة الحرية، فاننا لا نأتي على ذكره.. رغم ان عملية صلبه بحد ذاتها كانت واحدة من أروع القصائد بل والملاحم البطولية في تاريخ الانسانية، مثلها مثل ملحمة اعدام سقراط الذي اختار ان يدفع حياته ثمناً للحرية بشكل عام، وحريته في ابداء الرأي بشكل خاص.. وهو ذات الشيء الذي فعله الحلاج في تراثنا.

اننا في امس الحاجة الى اعادة اكتشاف المبدعين والمفكرين الأحرار في تراثنا، بقدر ما نحن بحاجة الى اسقاط رموز الكذب والنفاق.