خواطر مبعثرة إلى قمة عمان

TT

في البدء:
قليلا ما نعهد ان مقالا كتبته صحيفة ما، أو رأيا أدلى به احد الكتاب، قد أخذ به بعين الاعتبار لدى أية جهة من الجهات المسؤولة في وطننا العربي!! اللهم إلا اذا كان المقصود بذلك انزال عقوبة بتلك الصحيفة بسبب الموضوع أو الرأي اللذين لم يلقيا قبولا لدى تلك الجهات!! ولم نعهد كذلك ان لدى الجهات المسؤولة في وطننا العربي اقساما متخصصة لمتابعة ما يُكتب في الصحف من آراء ومقترحات للبحث في جدواها ومناقشتها، وبالتالي الاخذ بما جاء فيها مهما كانت طبيعة الموضوع المطروح وحساسيته!! اللهم إلا اذا فرض ذلك الموضوع نفسه، وأثار قضية لدى الرأي العام!! عندها يأخذ طريقه في ملف خاص.. وغالبا ما يكون ذلك الملف قد اعد من قبل جهات أمنية!! ما أشرت اليه آنفا ليس قاعدة عامة، فهناك كثير من الحالات الاستثنائية تتعلق بطبيعة الموضوع المطروح والظروف الموضوعية التي أدت الى طرحه.. ولكن مع كل هذا وذاك، فسأدلي بدلوي بتوجيه هذه الخواطر الى قمة عمان.. بعد الاعتماد على الله.

سادتي الأكارم.. قادة الامة العربية، في ظروف هي في غاية الصعوبة والحرج.. وقوافل الشهداء من ابناء فلسطين ما برحت تزداد يوما بعد آخر، وارييل شارون يسير بخطى متغطرسة نحو البيت الابيض، امام هذا الواقع الدامي.. والمذل لكرامتنا كأمة عربية اسلامية.. ليت انكم تضعون نصب اعينكم القليل القليل من بعض ما جئنا عليه من تلك اللمحات التاريخية الخاطفة التي مزقت الامة العربية، واهدرت الكثير من طاقات العرب المادية والمعنوية، وان تنظروا بعين الاعتبار الى النتائج التي اسفرت عنها سنوات ما يزيد عن نصف قرن من ضياع فلسطين، وان تخرجوا من مؤتمركم هذا بموقف موحد تواجهون به البيت الابيض، فأنتم سادتي الأكارم.. تعرفون جيدا ان واشنطن هي عاصمة يتحدد فيها القرار الاول والاخير في تحديد خطوط السياسة الاسرائيلية، ولا اظن ان ارييل شارون يملك هناك رصيدا من الود والاحترام مثلما يملك البعض منكم.

فإذا كانت الولايات المتحدة الاميركية قد اقتنعت ـ او هكذا يبدو ـ بأهمية السلام بالنسبة لواحدة من اهم مناطق التوتر في العالم، فإن جزءا اساسيا من عقدة التسوية السلمية قد اصبح الآن في متناول اليد.

واذا كانت الامم المتحدة قد ادركت منذ امد ليس بقليل بأن احدى معضلات الحل الناجز والشامل تكمن في اذعان اسرائيل للتسليم بقراراتها.. فأظن ان الكرة الآن في ملعبكم لجعل الولايات المتحدة تخطو خطوات ابعد باتجاهكم وليس باتجاه اسرائيل.

لأن المطالب العربية القائمة على تطبيق واحترام القانون الدولي اصبحت مقنعة لأغلب دول العالم بما فيها بعض الدول الغربية الحليفة للولايات المتحدة ولاسرائيل ايضا.

سادتي الأكارم قادة الامة العربية..

لقد بات المواطن العربي يخشى ان تكون السياسة الاسرائيلية التي استطاعت ان ترغم العرب تدريجيا على القبول ببشاعة سياسة الامر الواقع الذي اوصلنا الى ما نحن عليه، ستزداد توسعا، بيد ان قادتنا يجتمعون، ويجتمعون، دون ان تكون هناك نتائج غير البيانات التي سرعان ما يتم نسيانها، وتعود الحياة الى عهد ما كانت عليه قبل انعقاد مؤتمر القمة.. وكأن شيئا لم يكن، ويعيد التاريخ ـ الذي اشرنا الى ومضات منه ـ يعيد نفسه، ونعيش في دوامة من التمزق والتشرذم، ربما تكون اشد فورانا من تلك النماذج التي جئنا عليها.

سادتي الافاضل قادة الامة العربية..

يدرك الشارع العربي بسبب التجارب التي مر بها، والنتائج التي استخلصها من مؤتمرات قمم سابقة، انه ليست هناك وصفة سحرية من الممكن ان تخرجوا بها من هذه المآزق المتفاقمة، رغم انكم كثيرا ما تؤكدون على وحدة المصير.

ولكن وحدة المصير هذه لا تتجاوز حدود البيان الذي ستأخذ مكانها فيه، لأن بعض البلاد العربية ترى ان عليها ان تعمل على تحقيق مصالحها بالدرجة الاولى، وهذه المصالح لا يمكن ان تتحقق إلا بالصلح والتطبيع مع من اغتصبوا اراضينا، وقتلوا وشردوا شعبنا، ولا زالوا مستمرين في انتهاك حرماتنا ومقدساتنا..

ويرون ان الاعتراف بإسرائيل صار امرا واقعا، وادخلوا في ريع السواد الأعظم من شعوبهم بأن عليهم ان يسلموا بهذا الامر الواقع، مما جعل تلك الشعوب تواجه بعضها بعضا، ما بين مؤيد للتطبيع ورافض له.

والبعض الآخر.. صار يدعو الى تصفية اسرائيل، واخذ يجيش لها الجيوش من المتطوعين ـ المغلوب على امرهم ـ والكل يعلم ان هذه الدعوة ما هي إلا شكل من اشكال المزايدات السياسية. وهناك من يراوغ ويلعب على كل الحبال.. وهناك.. وهناك.. ولا نريد الدخول في تفاصيل التناقضات في التزايد على القضية الفلسطينية، فذلك يقود بنا الى متاهات لا حصر لها ولا نهاية.

سادتي الأكارم قادة الامة العربية..

يا من تجمعكم قمة عمان ارجو ألا تكون صحيحة تلك النغمة التي ترددها القيادات الاميركية والاوروبية، وفحواها: (ان القادة العرب غير متفقين على احلال سلام حقيقي في الشرق الاوسط، وان البعض منهم يريد لهذه التناقضات ان تكون مستمرة، لأنها تبرر وجوده في دفة الحكم!) هذا ما ألمح اليه كلينتون وغيره من قادة اوروبا.. ولا اظننا سنأخذ بمثل هذه الأقاويل.. لأننا اعتدنا عليها منهم، ولأنها تدق الأسافين بين الشعوب وقادتها.. والله من وراء القصد.