انفجارا القدس : الرسالة والتوقيت

TT

يثير انفجارا القدس اللذان تزامنا مع افتتاح اعمال القمة العربية في عمّان امس، سؤالان: هل ثمة مصادفة في توقيت الانفجارين؟ وما هي الرسالة المتوخاة منهما؟

الارجح انه لا مصادفة في التوقيت. فالقمة العربية تنعقد على مسافة قريبة من انتفاضة فلسطينية تحتاج الى كل اسناد عربي ممكن، اعلاميا، ومعنويا، وسياسيا، وماديا، وخصوصا على الصعيد الاقتصادي. ورغم ان حماية هذه الانتفاضة ودعمها يتصدران بالتأكيد اهتمامات قمة عمان، إلا انه يمكن القول باحتمال وجود قوى ـ او حتى افراد ـ على الساحة الفلسطينية، اعتبرت سلفاً ـ عن حق او باطل ـ ان قمة عمّان ستخرج بتوصيات وتمنيات تقصّر في التعبير عن التضامن المطلوب مع الانتفاضة، فقررت اسماع القمة صوتا من داخل اجواء الانتفاضة.

بيد ان هناك عاملا آخر يجب ألا يُغفل عند النظر الى توقيت الانفجارين، وهو انهما يتزامنان مع مرور ستة اشهر على «زيارة» آرييل شارون الاستفزازية للحرم القدسي الشريف. ففي الثامن والعشرين من سبتمبر (ايلول) الماضي اقدم شارون، بموافقة ودعم سلفه ايهود باراك، على خطوة حمقاء كانت الشرارة التي اشعلت فتيل هذه الانتفاضة. ثم خلال تأجج نيران الانتفاضة اوصل الناخب الاسرائيلي شارون نفسه الى سدة الحكم وفقا لبرنامج استفزازي لم يخف نية التصعيد العدواني في التعامل مع الفلسطينيين، شعباً وانتفاضة، وهو برنامج بدأت بعض جوانب تنفيذه الفوري عبر السماح ببناء وحدات استيطانية جديدة في جبل ابو غنيم بين القدس ورام الله.

فهل يُستغرب، في ظل اجواء التطرف الشاروني، وقوع مزيد من انفجارات السيارات المفخخة في القدس؟ بالتأكيد لا، بل في هذا السياق، فان الرسالة الموجهة من انفجاري امس الى الرأي العام الاسرائيلي يمكن تلخيصها في ان زخم الانتفاضة ما زال قوياً، بخلاف توقعات عديدة، والغضب الفلسطيني ما زال شديداً، والعزيمة على رفض سياسة الحصار والتجويع والتركيع صلبة. يبقى، مع ذلك، احتمال النتيجة السلبية كمردود لانفجاري امس. فاسرائيل تعرف انها تخسر الكثير طالما ظلت المواجهة بين انتفاضة شعبية بأساليب عفوية وبين آلة عسكرية قمعية ودموية. وهي ـ بالمقابل ـ تربح دائماً، خصوصا في الساحة الدولية، عندما يبدو الاسرائيليون هم الضحية التي تدفع ثمن العنف المسلح. من هنا ضرورة التحسب لاحتمال المردود العكسي لأي عمل فلسطيني مسلح. قبل اسابيع، عندما استُهدف عسكريون اسرائيليون عند موقف حافلات، عجز الاعلام الاسرائيلي عن استجداء التعاطف في ردّي الفعل المحلي والدولي. فمن استهدفتهم العملية كانوا من العسكريين، وفي اجواء الانتفاضة يصبح كل من يحمل السلاح عرضة لأي شكل من المواجهة. اما العنف الذي يستهدف المدنيين فيولّد عند الكثيرين، وخصوصا غير المعنيين مباشرة في الصراع، رد فعل سلبياً. وهذا امر يجب ان يأخذه المناضل الفلسطيني في الحسبان دائما.