جدول أعمال القمة العربية القادمة

TT

في ظل هذا الصخب الاعلامي والتشاؤم الشامل الذي يصاحب القمة العربية الثالثة عشرة، يبدو الانجاز الاهم انها اول قمة «دورية» عقدت في موعدها. ولعل من هوان جامعة الدول العربية ـ او مفرقتها ـ على الشعوب العربية ان يكون من اهم انجازاتها، هو الاجتماع في موعده! وتواجه الجامعة تحديا خطيرا في ان ينفرط عقدها نتيجة التجاذبات بين العواصم العربية التي تضع جدول اعمال خاصا بها، هدفه الاول مصالحها الذاتية ـ او مصالح زعمائها على ادق تعبير ـ وليس مصلحة هذه الامة المغلوبة على امرها. ولا يحسد الامين العام الجديد، وزير الخارجية المصري القدير على هذه التركة الثقيلة وهذا الوضع المأساوي الذي لم يحصل مثيله منذ انشاء الجامعة، وحتى بعد اتفاقات كامب ديفيد ومؤتمر بغداد.

اهم ما تواجهه الجامعة هو فقدان الثقة من قبل ملايين العرب الذين تعصرهم الظروف على الصعيدين الوطني والقومي، نتيجة فشل هذه المؤسسة في عمل الحد الادنى المطلوب لحفظ حقوق الوطن العربي والانسان العربي. ومهما قلت وقال غيري، فقد سبق العدل القضاء، وتقرر ماذا سيتضمن البيان الختامي للقمة. الا انه لا يجوز اليأس من خير قادم ونهضة ممكنة اذا ما سمع لصوت العقل العربي وأنات الضمير، التي يمزقهما وضع عالمي ظالم ووضع عربي اكثر ظلماً.

اطفاء الحرائق وسواءً كتبنا ام لم نكتب، ونشرنا ام لم ننشر، فان وزراء الخارجية العرب قد وضعوا صيغة البيان الختامي للقمة العربية، فلا بأس من التعرض لقضايا حساسة وخطيرة تقف وراء هذا العجز العربي الكئيب، والتشرذم العربي المزمن، والتأخر العربي المدقع، اذ ان ما يطرح في القمم العربية هو مناقشة مظاهر الازمة وليس مسبباتها، فالقادة العرب يمارسون سياسة اطفاء الحرائق وادارة الازمات. ورغم ان هذا هو دور الحكومات واجهزتها في كل مكان، فان الدول المتقدمة تقوم الى جانب ذلك، بمعالجة اسباب الحرائق وجذور الازمات، واضعة مصلحة وعزة اجيالها القادمة رهن الاعتبار.

اسباب الحالة العربية المتأزمة نجدها جلية ماثلة امامنا في كل قطر عربي، فهذا يعاني من تردي المناهج التعليمية وتأخرها عن متطلبات العصر، وذاك يعاني من تردي او غياب الرعاية الاجتماعية والصحية، وآخر يعاني من غياب الرأي الآخر والمحاسبة الاجتماعية، وكثيرون يعانون من عدم استقلالية القرارات السياسية، وآخرون يعانون من استبداد في هذه القرارات. غير ان هناك نماذج كثيرة في عالمنا العربي، لو تجمعت وتكاملت في صيغة «تبادل الخبرة» فلربما اسسنا لنهضة عربية حديثة، قوامها الانسان العربي العزيز المحفوظة حقوقه، المصانة مكانته، ونستطيع من خلالها التعامل مع العجرفة الاسرائيلية او فشل العلاقات العربية ـ العربية.

هذه اذا قائمة بالاقتراحات «العملية» التي يمكن العمل عليها من قبل الجامعة العربية تحت رئاسة الوزير السيد عمرو موسى، واعداد مسودة للنقاش في قمة الامارات في العام القادم، او حتى في قمة البحرين في العام الذي يليه. وليتأكد الامين العام الجديد ان الشعب العربي من المحيط الى الخليج سيقف الى جانبه لو عرض هذه المقترحات للنقاش على الشارع العربي من خلال وسائل الاعلام المختلفة.

اولا: تقديم صيغة للمناهج التعليمية في العالم العربي، في ما يخص بعض المواد الهامة، مثل التربية الدينية لتوضيح الاسلام السليم البعيد عن العنف من جهة وعن الذوبان في الحضارة الغربية من جهة اخرى. ويمكن دعوة كوكبة من العلماء والباحثين والمحللين المسلمين لوضع تصوراتهم. كذلك تطوير التعليم المهني والتجاري، بحيث يصبح الهدف ادخال التكنولوجيا الحديثة الى الجامعات في البداية والمدارس العربية في ما بعد، لكي نأخذ بيد الجيل العربي نحو المستقبل متسلحا بأسباب التقدم والتطور العلمي.

ثانيا: وضع تصور سهل وواضح لسوق عربية مشتركة، تبدأ بإزالة الضرائب عن المنتوجات العربية المصدرة لدول عربية، توحيد التعرفة الجمركية، وضع مستويات موحدة للمواصفات الصناعية، ووضع استراتيجية بعيدة المدى للامن الغذائي والمائي للدول العربية، وكيفية العمل على استغلال المياه في الوطن العربي لزيادة المناطق الزراعية ومواجهة التصحر. بالاضافة الى ربط شبكات الطاقة الكهربائية.

حقوق الانسان العربي ثالثا: انشاء لجنة لحقوق الانسان، تتبع الامين العام للجامعة، ويختار اعضاؤها من بين المؤسسات الاهلية في كل دولة عربية، تتولى مراقبة اي انتهاكات لحقوق الانسان العربي المنصوص عليها في الاعلان العالمي لحقوق الانسان وفي اعلان القاهرة. ويمكن للجنة ان تكون لها فرق عمل محلية للمراقبة، وان تنشأ محكمة لحقوق الانسان العربي في اي عاصمة عربية يستطيع من خلالها المواطن العربي في اي زاوية عربية ان يتظلم لدى المحكمة، والتي يجب ان تتضمن قوانين الدول العربية الاعضاء اعترافا بأحكامها.

رابعا: اصدار بيان من القمة بدعوة جميع الحكومات العربية باجراء مصالحة فعلية وجدية مع القوى المعارضة في اوطانها، والسماح بحرية الرأي والنشر وبالتالي توجيه الطاقات الوطنية للبناء والاعمار، وتحصين الجبهة الداخلية العربية واعدادها لمعركة التطور، والنمو الاقتصادي والاجتماعي.

خامساً: تقديم دعم مالي لسورية ومصر والاردن ولبنان، لمساعدة هذه الدول على التغلب على الصعاب الاقتصادية، ودعم صمودها في مواجهة اسرائيل، واعداد خطة للدفاع العربي المشترك، ويطلب من رؤساء الاركان العرب للاجتماع والتشاور في افضل السبل لردع اي محاولة عسكرية اسرائيلية للاستفراد بسورية ولبنان.

سادساً: دعم الشعب الفلسطيني بتفعيل الصندوقين الماليين اللذين اعلن عنهما ولي العهد السعودي في مؤتمر قمة القاهرة وقطع اي نوع من العلائق مع اسرائيل، وسحب السفراء العرب ـ جماعيا ـ من اي دولة تنقل سفارتها للقدس، ووضع خطة لحماية المدينة المقدسة.

سابعاً: الغاء تأشيرة الدخول بين كل الدول العربية، والسماح بالعمالة العربية بالانتقال بحرية منظمة في اسواق العمل من بلد لآخر، وتوحيد قوانين العمل العربية للاستفادة من القدرات المهنية والتخصصات المتوفرة في بعض الدول وتحتاجها دول اخرى، واحلال العمالة العربية المهاجرة محل الاجنبية.

ثامناً: الاعلان عن برنامج لتطوير القدرة النووية العربية، وعدم التراجع عنه الا اذا قبلت اسرائيل بزيارة مفتشين دوليين لمفاعل ديمونة في صحراء النقب، والتوقيع على اتفاقية الحد من الاسلحة النووية، ويتم نزع سلاحها النووي. اما اذا رفضت تل ابيب ذلك، فان للدول العربية الحق في المضي قدما في البرنامج، بخلق توازن استراتيجي معها.

تاسعاً: تفعيل المقاطعة العربية على المتعاملين مع اسرائيل من الدرجتين الاولى والثانية، والالتزام بقرارات مكتب المقاطعة، والاعلان للشارع العربي عن اي شركة او دولة عربية لا تلتزم بالمقاطعة.

قد تكون هذه المطالب وغيرها من البنود التي يمكن وضعها على قائمة جدول اعمال القمة العربية القادمة او التي تليها، من ضرب الخيال كما سيصفها البعض، لكن الامة العربية لن تستطيع مواجهة تحديات العصر، بما في ذلك التحدي الاسرائيلي لوجودنا اذا لم تبدأ بمعالجة اسباب الازمة وجذورها الضاربة في اعماق النظام السياسي العربي والمجتمع العربي على حد سواء. والذي نأمل من السيد عمرو موسى هو ان يرتفع الى مستوى التحدي التاريخي كأول امين عام للجامعة يمتلك شعبية لدى الرأي العام العربي، ويترك بصماته على مسيرة هذه المنظومة، قبل ان تفقد ما تبقى لها من احترام قليل لدى الشارع العربي الذي اصيب بالتخمة من بيانات الاستنكار والشجب الفارغة.

* باحث استراتيجي بحريني