مغامرة في الطريق إلى القمة

TT

اكتشفت ان الطريق الى القمة العربية كان بالفعل محفوفا بالمخاطر منذ اللحظة التي صعدت فيها الى سيارة الاجرة في لندن مسافرا الى عمان، حيث المؤتمر. بل وقبل ان اصل الى المطار شبعت ايضا من النقاش الذي لا خيار ولا رأي لي فيه.

خيل الي من الوهلة الاولى ان السيارة والسائق من تدبير احد برامج المقالب التلفزيونية العربية مثل «الكاميرا الخفية» فالسائق نسخة مستنسخة عن الصديق البحريني يوسف الشيراوي شيخ الوزراء السابقين. وان لم اصدق عيني فقد كان لزاما علي ان اصدق اذني، كان الصوت نفسه، والحديث نفسه، والجدل نفسه، والحاح على الانفراد بالنقاش من دون اعطاء فرصة للغير للرد.

وعلاوة على ذلك كان يقود سيارته بأقل انتباه للطريق المزدحم حتى صرت في حالة قلق دائمة متسائلا متى سيقع الحادث. كان يصر على ان يتلفت الي من وراء الزجاج الفاصل ليحدثني. قال صارخا: هل تعرف ان هذه هي المرة الاولى التي اقود فيها سيارتي الى المطار منذ احد عشر عاما، لماذا؟ سأل نفسه واجاب: لأن بقية السائقين يذهبون ليقفوا في طابور طويل لعدة ساعات من اجل التقاط راكب. انهم كسلاء.. هل تسمعني.. انهم بلداء لا يريدون الحركة والبحث عن ركاب. هنا امسكت بمقعدي بعد ان رأيت السيارة تنحرف نحو المسار الآخر ثم تعود بعد انتباهة قصيرة منه الى الطريق.

سألني الشيراوي الانجليزي، بعد ان علم انني ذاهب الى الاردن، هل سيكون عندكم سلام؟ قلت له متعجلا وعيني على الطريق: نعم.. نعم، بعد خمس سنوات. اردت ارضاءه باجابة غير مدروسة اختصارا للحديث، لكن هيهات فقد كان اسرع مني حيث قاطعني وراح يتحدث عن الحافلة التي تجاوزته بسرعة كبيرة منتقدا سائقها. ثم عاد واستطرد في حديث ينتقد فيه عدم انتباه العرب الى ضرورات السلام والتفرغ لحياتهم. ولحسن الحظ ان الطريق انتهى هنا ولم يكن معبدا الى عمان والا لأصر صاحبي على الجدل ـ من جانب واحد ـ حتى مشارف العاصمة الاردنية.

وعندما بلغت مقعدي في الطائرة حمدت الله على نهاية الرحلة الشيراوية بسلام، وسألت نفسي حول ما قلته له في لحظة رعب عندما استنطقني عن السلام فحددت له متعجلا خمس سنوات لاعيد انتباهه الى الطريق؟ بعد تفكير تبنيت اجابتي وها انا اعتبرها قراءة زمنية محتملة وان كان الكثيرون لا يرغبون في تصديقها. كل شيء اصبح قابلا للتغيير، عندنا وعند العدو. في تصوري ان السلام ممكن في ظرف خمس سنوات ما لم تحدث انهيارات عربية خارج محيط النزاع نفسه فتؤثر عليه وتؤجله خمس سنوات اخرى. ان احدا لا يصدق بامكانية الحل اليوم لأن اليأس منه بلغ مرحلة افضت الى رفضه او رفض تصديق امكانية حدوثه.