من يقول الحقيقة؟

TT

حالة العرب لا تشبهها حالات الأمم كلها، فهناك ازمة ثقة تحتاج الى درس وتمحيص، وحالة غياب للمصداقية تحولت الى ظاهرة عربية متميزة.

كيف يمكن لشخصين او بلدين ان يعملا بشكل مشترك اذا افتقد احدهما الثقة بالآخر، وجرب احدهما مصداقية الطرف الآخر لمرات متكررة، وكانت النتيجة ان يتلفت احدهما خوفاً من طعنة غادرة من الخلف!! كيف يمكن لشخصين او بلدين ان يعملا بشكل مشترك، اذا كان الكلام الجميل يتعارض مع الفعل القبيح، والشعارات الكبيرة الجميلة تصطدم بالتصرفات على ارض الواقع وهي تصرفات لا يبررها عقل ولا منطق.

عندما يكون داخل الشخص الواحد، او البلد الواحد اكثر من شخصية، فيتحدث بكلام هنا، ويناقضه بكلام هناك، ويطرح القضية ونقيضها في آن واحد من اجل مصلحة مؤقتة عابرة فأي عمل مشترك يمكن ان ينجح. واي تنسيق يمكن ان يقوم.

اذا كان البعض يشتم اميركا في المؤتمرات الصحفية ويرتمي في احضانها في الاجتماعات الثنائية. ويحارب اسرائيل في اجهزة الاعلام ويطبطب على ظهرها في الاجتماعات السرية وشبه السرية، ويعلن دعمه لاشقائه ثم يتفق مع الغريب على ابناء عمومته.

أية مصداقية عندما يخطئ المخطئ فلا يجد من يقول له اخطأت، ويرتكب الأحمق حماقاته فيجد من يؤيده تحت حجج «عفا الله عما سلف» وتحت حجة اننا ابناء أمة واحدة.

العروبة المتوحشة وغير الانسانية لن تخلق أمة عربية موحدة، واستمرار العناد والشتائم ومحاربة طواحين الهواء لن تحل مشكلة، ولن تحرك ساكناً.

الخطب الرنانة من على المنابر تفقد مصداقيتها بعد القائها، والالتزامات التي لا تنفذ افضل منها الصمت، والبحث عن اعداء حقيقيين ووهميين من اجل تبرئة ذاتنا من دم بعضنا البعض، ومن طعن بعضنا البعض هي طريقة جيدة للتهرب من تحمل المسؤولية، ولكنها لعبة اثبتت الوقائع اننا جميعاً ضحاياها.

المسرح كبير، والممثلون عليه، والجمهور المشاهد، هم ضحايا لغة قديمة، ودوران في نفس المكان. فمن يعلن الجرس، ومن يقول الحقيقة؟