قمة عمان بدون استراتيجية

TT

يصدر اليوم الاربعاء 28 مارس 2001 البيان الختامي عن لقاء القمة في عمان، الذي جاء انعقاده لحل التناقضات العربية التي يفرضها وجود صدام حسين على قمة السلطة في بغداد، ويؤججها وصول اريل شارون الى سدة الحكم في تل أبيب، وفرض وجودهما في السلطة واعتداؤهما العلني والسافر على حقوق الانسان، وضع قضية الشعبين العراقي والفلسطيني على «أجندة» جدول اعمال مؤتمر القمة العربي في عمان ليمثلا محورين للنقاش الاساسي في الجلسات المغلقة لقمة عمان بهدف رفع الحصار عن الشعب العراقي، ومنع الابادة للشعب الفلسطيني.

يصعب ان يعرف بالدقة ما يدور في داخل القمة العربية، التي لا تزال منعقدة بالعاصمة الاردنية عمان لأن استار السرية تحجب السمع والبصر عن الحوار الدائر في داخل القمة، وتمنع صدق الحدس بالنتائج التي يمكن الوصول اليها، ولكن من الممكن الاقتراب من الحقيقة عن طريق الدلائل عليها «ليالي العيد تبان من عصاريها» وهي المؤشرات التي تدل على النتائج، وقد اتضحت تلك المؤشرات من الخلاف الحاد داخل اجتماعات وزراء الخارجية العرب اثناء اعداد جدول الاعمال للقادة العرب وعند الصياغة الأولية للبيان الختامي.

هناك انشطار حاد في الرأي العربي اتضحت معالمه في داخل اجتماعات وزراء الخارجية العرب، فريق منهم يدعو الى المصالحة مع صدام حسين ورفع الحصار عن الشعب العراقي ويتزعم هذا الفريق مصر والاردن وسوريا واليمن، والفريق الآخر يتفق مع رفع الحصار عن الشعب العراقي، ويرفض بقوة المصالحة مع صدام حسين، ويتزعم هذا الفريق السعودية والكويت التي طالبت باعتذار صدام حسين لها على غزوه بلادها، وفك الاسرى الكويتيين قبل التفكير في الدخول الى المصالحة معه، وهذا الخلاف جعل قادة المغرب وسلطنة عمان والكويت يغيبون عن قمة عمان، وجعلت الامير سلطان رئيس الوفد السعودي الى القمة يعلن ان الحكمة تتطلب الالتزام بالصمت قبل انعقاد هذه القمة. وعدم حضور القادة الثلاثة للقمة، والتحفظ السعودي بالصمت يدلل على ان القمة لن تصل الى قرار المصالحة مع صدام حسين ونظامه، وربما تتفق بعيدا عن هذه المصالحة على رفع الحصار عن شعب العراق.

إذا كان الهدف من رفع الحصار يرمي الى تخفيف المعاناة عن شعب العراق، فإن المنطق يستوجب الاستمرار في الخصومة مع صدام حسين ونظامه، لأن وجوده مع نظامه في السلطة والحكم يمثل في حد ذاته معاناة لشعب العراق، فإن تصالح العرب معه في قمة عمان تناقضوا مع أنفسهم بالسماح لصدام حسين من خلال الصلح بمواصلة الحصار السياسي على الشعب العراقي من الداخل، في الوقت الذي يسعى العرب من خلال القمة العربية في عمان الى رفع الحصار الاقتصادي عن الشعب العراقي من الخارج.

لا شك ان الحصار السياسي الداخلي القامع أشد وطأة على شعب العراق من الحصار الاقتصادي المفروض عليه من الخارج، الذي جاء نتيجة لاصرار صدام حسين على مواصلة العدوان على جيرانه من بعد هزيمته واخراجه صاغرا من الكويت، ففرض على بلاده من قبل الامم المتحدة التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل تحت مظلة الحصار الدولي على العراق، فتضرر الشعب بنقصان الغذاء والدواء، وفتح باب البترول مقابل الغذاء لرفع المعاناة عن شعب العراق، وبدلا من صرف الاموال المتدفقة على الشعب العراقي استولى عليها صدام حسين بالحديد والنار، ووظفها في خدمة رفاهيته، وعلى الزمرة المحيطة به، واتضح عدم عنايته بالشعب العراقي من تبرعه بمبلغ مائة مليون يورو لفقراء امريكا عبر الامم المتحدة في الوقت الذي يتضور فيه جوعاً شعب العراق، ليثبت للعالم تحليه بالجوانب الانسانية، وتعمدت امريكا فضح صدام حسين برفضها المبرر لتبرعه بأن شعب العراق، وكله من الفقراء أحق بهذه الأموال وان التبرع بها يمثل جريمة لحرمان اصحابها الفقراء منها.

بدون المساس بحق الغير في حرية الرأي، فإن المصالحة مع صدام حسين ونظامه قضية تتعلق بالكويت الطرف الاساسي في الخصومة معه، ومن حق الكويت المطلق ان ترفض هذه المصالحة، وعلى الدول المتوسطة من للصلح ان تحترم رغبة الكويت في عدم المصالحة مع العراق، خصوصا ان من بين هذه الدول المتوسطة توصلت الى الصلح مع صدام حسين، ولم تتدخل الكويت لتثني هذه الدول عن مصالحته احتراما لحريتها في اتخاذ قراراتها. وتبني الكويت قرارها بعدم الصلح مع صدام حسين على استمرار جرائمه ضدها باحتجاز ابنائها في الاسر والتخطيط لضمها مرة أخرى الى العراق باعتبارها جزءا منه كما تقرر المناهج الدراسية والخرائط العراقية، وتصريحات المسؤولين في كل المناسبات ليثبتوا حقهم في العودة الى الكويت، وان خروجهم منها اجراء مؤقت اجبروا عليه بقوة دولية متناسين انهم دخلوها بالعدوان المسلح عليها.

ان عدوان صدام حسين على الكويت احدث شرخا في الكيان العربي تفاقمت اثاره بالتصرفات العراقية غير المسؤولة بصورة جعلت الصلح أمراً مستحيلاً، ومحاولة الوصول الى الصلح بين المعتدي العراقي وبين المعتدى عليه الكويتي يعمق هذا الشرخ بشغل القمة العربية في عمان بمحاولة تغيير المستحيل الى ممكن، وهي قضية غير قابلة للمساومة بين الموقف العربي المنشطر بين التأييد للصلح لكسب العراق الى الصف العربي، وبين الرفض للصلح مع صدام حسين المجرم المطلوب مثوله أمام العدالة الدولية، فيعيق وجوده في الصف العربي الموقف العربي عن القيام بدوره تجاه القضية المصيرية للشعب الفلسطيني المطروحة قضية ابادته بالحاح امام قمة عمان.

جهل صدام حسين بالحسابات السياسية، وعدم درايته بالادوار العسكرية دفعاه الى الاعلان عن ارسال فصائل من جيشه النظامي للمشاركة في انتفاضة الاقصى ضد اسرائيل، ومعنى ذلك انه يريد تحويل النضال الشعبي الفلسطيني ضد قوى الاحتلال الاسرائيلي الى بداية حرب نظامية عربية ضد اسرائيل، وهذا التحول في ذاته يقلب الموازين القتالية فتعطى اسرائيل فرصا أكبر للانتصار، وتلغى الفرص المتاحة لانتصار ثورة الشعب الفلسطيني عليها وفقاً لما تقرره كل سوابق النضال الشعبي ضد قوى العدوان عليه.

على الرغم من شغل القمة العربية في عمان بقضية الصلح مع العراق، تظل قضية الشعب الفلسطيني هي المحور الرئيسي على جدول اعماله لايجاد سبل الخلاص له من الابادة التي خططت لها اسرائيل، واختارت اريل شارون لرئاسة الوزارة ليقوم بهذه المهمة، ولما كانت القمة العربية لا تزال مجتمعة حتى الآن في عمان، فإن الموقف العربي غير واضح المعالم لمنع اسرائيل عن ابادة الشعب الفلسطيني، ولكن مؤشرات هذا الموقف اتضحت من مسودة البيان الختامي المقدمة من وزراء الخارجية العرب، التي اعلنت عن تقديم عون مادي عربي لنضال الشعب الفلسطيني مقداره 40 مليون دولار امريكي في الشهر ويستمر لمدة ستة أشهر. المبلغ في مجمله مائتان واربعون مليون دولار امريكي وهو ضئيل لمواجهة الانفاق على القتال النضالي ويحجب قيام استراتيجية عربية قادرة على التعامل مع كل المتغيرات الاقليمية بوصول اريل شارون الى السلطة واصراره على مواصلة العمل لابادة الشعب الفلسطيني.

ومع كل المتغيرات الدولية بوصول جورج بوش الى البيت الأبيض ورفع يده عن الوساطة السلمية واغراق نفسه في بحر اسرائيل عن طريق استخدام حق الاعتراض «الفيتو» بمجلس الأمن ليمنع صدور أي قرار يفرض الرقابة على تصرفات اسرائيل ضد الفلسطينيين، وهي بكل المقاييس مؤامرة ضد العرب المجتمعين حتى اليوم في قمة عمان، وأرسلت امريكا رجلها كوفي عنان بصفته سكرتير عام الامم المتحدة ليكون مراقبا في القمة العربية لينقل كل ما يسمع ويرى الى واشنطون لتطلع عليه اسرائيل.

غياب الاستراتيجية العربية من قبل ومن بعد قمة عمان دفع امريكا الى عرض صفقة سياسية على العرب من خلال المقايضة باطلاق يد امريكا لضرب صدام حسين، مقابل ان تفرض امريكا على اريل شارون تخفيف غلوه ضد الشعب الفلسطيني، ورفض العرب الدخول في هذه المقايضة، ليس حباً في صدام حسين وانما خوفا على الشعب العراقي بزيادة معاناته من النظام القائم به، وعلى الشعب الفلسطيني من الابادة بعد كشف الاتفاق السري الامريكي الاسرائيلي الرامي الى القضاء بيد امريكا على قدرات العراق، وتطلق يد اسرائيل لانهاء الانتفاضة وابادة الشعب الفلسطيني.. قمة عمان ككل القمم السابقة ستنجح بالقول البراق، وتفشل بالعمل المعاق لانقسام العرب وعجزهم عن العمل المشترك.