ريغان خالياً الظرف المسرحي

TT

هناك مشكلة واضحة مع جورج دبليو بوش. واذا اردنا اختصارها الى عنوان تعبيري مقتضب امكن القول ان جوهر المشكلة هي ان جورج بوش يشبه رونالد ريغان: مثله يجهل اصول العمل السياسي ومعارفه، ومثله ضيق المعارف والتعبير معاً، ومثله يمثل على المسرح السياسي القوى الصناعية والعسكرية وطبقات الاستغلال التقليدية في المجتمع الاميركي، ويفعل ذلك ليس فقط من موقع الانتماء الايديولوجي بل بسبب ضحالة الفكر «العزلوي» والشوفينية الجرمانية النزعة التي تعتبر «ان اميركا فوق الجميع»، وان العالم ليس صديقاً طوعياً لها بل حليف مرغم وقاصر وبلا اي خيار آخر.

يجيء جورج دبليو الى البيت الابيض، ليس من دون تجربة في السياسة الدولية ولو ضئيلة، لكنه ـ وهو الامر الاسوأ ـ من دون تجربة محلية تذكر. وقد كان ليندون باينز جونسون، تكساسياً هو ايضاً وبلا تجربة دولية سوى رحلة في العلاقات العامة ارسله فيها الشقيقان كينيدي للترويح عن النفس (نفسيهما). غير ان جونسون كان ذا تجربة محلية متسعة وكثيرة الدهاء، انتهت بصدور افضل الاصلاحات المدنية في عهده.

مشكلة جورج بوش كما هو واضح حتى الآن ليست مع العالم العربي وحده، بل هي مع العالم اجمع: التصرف التأديبي مع روسيا على نحو لم يحدث في اسوأ ايام الحرب الباردة وازمتي كوبا وبرلين، والتصرف المتغطرس مع اقرب الحلفاء في اتفاقية كيوتو للتغييرات المناخية، وتبني موقف ارييل شارون كاملاً حيال «العنف الفلسطيني». طبعاً الآن نحن عشية امتحان آخر: اللقاء والمحادثات مع الرئيس حسني مبارك: اي طابع يعطيها جورج بوش؟ اي طابع يسبغ على زيارة الرئيس العربي الحليف؟ وهل تتذكر الصحف الاميركية فجأة، الديمقراطية في مصر بعدما قدمت اسرائيل عرضها اليومي المستمر بلا انقطاع حول اصول الممارسة الديمقراطية.

اميركا فوق الجميع. ولم يحدث من قبل ان استخدم رئيس جديد الفيتو بالسرعة التي اظهرها جورج دبليو. ولم يحدث من قبل ان اضطرت فرنسا الى الامتناع عن التصويت في موضوع يتعلق بالقضية الفلسطينية. لكن لعله الوضع الداخلي للرئيس جاك شيراك الذي استدعي «كشاهد» الى المحكمة في قضية فساد وسرقة. ام هل هو وضع داخلي حقاً ان يحال رئيس الدولة الفرنسية للمرة الاولى في التاريخ شاهدا على محكمة جنائية عادية؟ وما الفارق في هذه الحال بين ان يكون سيد الاليزيه شاهداً او متهماً، ما دام «مباشر» المحكمة سينادي عليه بالاسم كما ينادى على صغار المرتكبين او كبار المجرمين.

خلال حملة جورج بوش الانتخابية كان يقال «لقد تناول جورج دبليو الغداء ووقع الحكمين اليوميين بالاعدام وها هو الآن يمارس رياضة العدو». وكان يقال ـ ويُعرف ـ انه يجد صعوبة في معرفة الاسماء العلم. وكان رونالد ريغان بسبب خبرته الفنية سريع التلقين. كما انه كسح الولايات الاميركية مرتين. وها هو جورج دبليو بأكثرية لا تبلغ الالف صوت يريد ان يقلب وجه العالم. اميركا لا المانيا، فوق الجميع. كان ريغان ظريفاً حقاً.