الصلف البيئي الأميركي

TT

قرار الرئيس بوش رفض المعاهدة الدولية لمكافحة ظاهرة التسخين الحراري للأرض أثار استياء وغضبا واسعين الاسبوع الماضي بين حلفاء الولايات المتحدة في اوروبا واليابان الذين طالبوا الرئيس الاميركي باعادة دراسة موقفه.

فالمستشار الألماني جيرهارد شرويدر الذي زار واشنطن الاسبوع الماضي أيضا خصص معظم وقت زيارته الاولى للرئيس الجديد محاولا اقناعه بالتراجع عن موقفه واستئناف اميركا لمسؤوليتها في الحد من انبعاث الغازات السامة الى الجو الخارجي، التي تساهم لوحدها في 25 في المئة منه، بينما تساهم بقية العالم في الـ75 في المئة الباقية، رغم ان سكان الولايات المتحدة يشكلون 4 في المئة فقط من سكان المعمورة.

لقد نقل شرويدر تمنيات زعماء 15 دولة اوروبية، هي اعضاء في اتحاد يشكل القوة الثانية في العالم الآن، لا الثالثة، والذين ارسلوا اليه رسالة جماعية يحثونه فيها على تصديق المعاهدة في مجلس الشيوخ.

وهذا الموقف الاميركي الأرعن اثار استهجانا واسعا ايضا من قبل الدول الاخرى التي اخذت تتهمها في الفترة الاخيرة بأنها تتصرف بعنجهية كبيرة، ابتداء من قضية الغواصة التي اغرقت سفينة يابانية، الى حادثة طائرة التجسس التي هبطت اضطراريا في احدى الجزر الصينية بعدما اصطدمت بمقاتلة صينية واسقطتها، مرورا بقيام غواصة أميركية اخرى بدخول ميناء ياباني من دون اذن مسبق.

والذي اثار سخط العالم ان اميركا، البلد الغني المتعدد الموارد، وضعت نفسها فوق مصلحة الجميع، ورفضت القيام بتضحيات اقتصادية من اجل خير العالم كله.

والان يتساءل العالم ما اذا كانت واشنطن راغبة في الانسحاب نهائيا من بروتوكول كيوتو، لا سيما ان ثمة مؤتمرا آخر على الابواب في يوليو (تموز) المقبل في بون للنظر في تفعيل توصيات البروتوكول المذكور، خاصة ان الدلائل جميعها تشير الى انه سيفشل اسوة بالمؤتمر السابق الذي عقد في لاهاي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. اذ لم يمض اليوم الاول منه حتى ساد الخلاف العنيف بين الولايات المتحدة واوروبا حول شراء «حقوق التلوث»، او المتاجرة بها، إذا فشلت أي دولة في الحد من مقادير التلوث التي تسببها.

في أي حال يتوجب على اليابان والدول الاخرى التي شاركت في بروتوكول كيوتو اقرار الاخير لانها لم تزل تجادل بعنف في ما بينها حول الاهداف التي ينبغي التوصل اليها، والتي يدعو بعضها الى تخفيض الغازات المسببة للتسخين بنسبة تراوح بين 5 و7 في المئة في حلول العام 2010، فاليابان ذاتها مترددة في تطبيق اجراءات شديدة لتخفيض الغازات في الوقت الذي يمر اقتصادها وصناعاتها في فترة جمود.

الغريب في الامر كله انه يمكن المصادقة على بروتوكول كيوتو اذا ما قررت اليابان وروسيا والعديد من الاقطار الاخرى على ذلك، بعد الاتفاق في ما بينها على الشروط رغم الامتناع الاميركي. لكن ذلك لا يفيد، وسيبقى الاتفاق حبرا على ورق ما دامت واشنطن، وهي الاكثر تلويثا للبيئة والجو الخارجي، خارج الحلبة. وهنا المفارقة.