مأساة الأطفال الجنود

TT

من بين اسرار العالم الحديث القميئة، التي لا يتحدث عنها احد، ارغام مئات الآلاف من الاطفال على حمل السلاح والالتحاق بالجماعات المسلحة المنخرطة في اسر النزاعات الاثنية والسياسية التي غالبا ما تكون وحشية، وذلك في عشرين دولة على الاقل في انحاء المعمورة.

يعالج هذه القضية مؤتمر دولي ينعقد حاليا في العاصمة الاردنية عمان، مع منح الشرق الاوسط ودول الشمال الافريقي عناية خاصة. وقُدمت تقارير في هذا المؤتمر تفيد بانخراط الاطفال في اعمال القتال داخل العديد من دول المنطقة.

بيد ان ما يبعث على الطمأنينة ان حكومات هذه الدول اتخذت اجراءات لوقف الجر القسري للاطفال والتحاقهم بالجيوش الرسمية او غير الرسمية. والاستثناء الوحيد من بين تلك الدول هو السودان، حيث لا تزال الحكومة وفصائل المعارضة الجنوبية تزج نحو 10 الاف طفل في الحرب الدائرة بينهما، وارغامهم على الخدمة كجنود على الخطوط الامامية. وحتى على صعيد السودان هناك انباء طيبة تفيد باعلان الجيش الشعبي لتحرير السودان، وهو الفصيل الرئيسي بين فصائل المعارضة، عن تسريح نحو ثلاثة آلاف طفل من بين جنوده خلال الاسابيع القليلة المقبلة، كما اتخذت حكومة الرئيس البشير خطوات لتناول هذه المشكلة التي بدأت قبل اربع سنوات من خلال تشكيل ما يعرف بـ«قوات الدفاع الشعبي».

وقد صاغت الامم المتحدة مسودة معاهدة لحظر الزج بالاطفال دون سن الثامنة عشرة في الجيوش. وحتى الآن، لم تصادق على هذه المعاهدة غير ثلاث دول هي بنغلاديش وكندا وسري لانكا من بين الاعضاء الـ 192 في الأمم المتحدة، وهناك 72 دولة وقعت على المعاهدة، ولكنها لم ترفعها الى برلماناتها للتصديق عليها، وحتى توضع هذه المعاهدة موضع التنفيذ لا بد من توقيع مائة عضو على الاقل من الدول الاعضاء في المنظمة الدولية. اما في منطقة الشرق الاوسط، فقد وقع الاردن وتركيا والمغرب على تلك المعاهدة، بينما ابدت ايران وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي استعدادها على التوقيع.

وتعد مشكلة الاطفال الجنود اكثر تفاقما في القارة الافريقية، حيث ينخرط الاطفال والمراهقون في اكثر من عشرين نزاعا مفتوحا من سيراليون وحتى الكونغو. وحسب بعض الدراسات، فان الاولاد والبنات من الصغار الذين لا يتجاوزون العاشرة من العمر يتعلمون على القتل وحمل السلاح وُيرسلون الى ساحات الحرب على يد المرتزقين من القادة. ان هذه القضية وصمة عار في جبين الانسانية برمتها في الوقت الذي تخطو فيه خطوات واسعة تجاه تحقيق مزيد من التحضر، فلم يحدث في التاريخ من قبل ابدا ان زُج باعداد كبيرة من الصغار في الحروب كما يجري في وقتنا المعاصر.