ستظل أوروبا على دعمها لاتفاق كيوتو رغم انسحاب الولايات المتحدة

TT

اكدت الادارة الاميركية لممثلي الاتحاد الاوروبي في واشنطن ان اميركا غيرت رأيها تجاه اتفاق كيوتو للاحتباس الحراري. ورد وفد الاتحاد الاوروبي موضحا بدوره ان اوروبا ستظل على التزامها العمل بهذا الاتفاق، وبذل الجهود لدعم به، حتى من دون الولايات المتحدة. فليس في وسعنا ان نترك الموقف الاميركي يفضي بنا الى طريق مسدود، اذ اننا في محادثاتنا حيال التغيرات المناخية هناك شريك ليس في مقدورنا التفاوض من غيره وهو المناخ نفسه.

ان الاغلبية الكاسحة من الآراء العلمية تجمع على ان الاحتباس الحراري يمثل مشكلة كبرى. وقد خلص المجلس المشترك للحكومات المعنية بالتغيرات المناخية مؤخرا الى ان التأثيرات المتوقعة لتلك الظاهرة ربما تكون ابلغ مما كان يعتقد سابقا. ويظل يغلف كيفية تأثير الاحتباس الحراري قدر من الغموض، غير ان بين يدينا ما يكفي ويزيد من ادلة تقنعنا بوجوب التحرك والتصدي سريعا لهذا الخطر.

وتتحمل الدول الصناعية مسؤولية واضحة في قيادة الجهود المبذولة لتخفيض الغازات العادمة التي تتسبب في حصول الاحتباس الحراري. فالدول الخمس الاغنى من سكان العالم مسؤولة عن 60 بالمائة من غاز ثاني اوكسيد الكربون. اما سكان الولايات المتحدة الذين لا يشكلون سوى 65 بالمائة من مجموع سكان العالم فانهم مسؤولون عن ربع المجموع الكلي لغاز ثاني اوكسيد الكربون في الجو.

اما الدول الفقيرة، والتي يعاني عدد منها من التأثيرات البالغة للتغيرات المناخية، فانها ستكون الاكثر ضعفا عند تدهور مناخ الارض اكثر فاكثر. اذ ستهطل مزيد من الامطار في المناطق المعرضة لحدوث فيضانات فيها، والى عدم هطول الامطار في المناطق التي عصف بها الجفاف. بالاضافة الى تعرض مصادر الماء والغذاء للخطر، اذ ان الارتفاع الجاري لمنسوب المياه في البحار والمحيطات والذي يبلغ الآن 560 سنتمترا سيتسبب في غمر المياه للمناطق القريبة من السواحل والتي يقطنها ملايين من البشر، ومعظمها يقع في الدول الفقيرة.

وبتعرض مناخ الارض للتغير لا بد من التحرك فورا لتقليص نسبة الغازات العادمة التي تتسبب في حدوث هذا. وكلما تقاعسنا وتأخرنا عن التحرك، كلما بات ذلك اصعب واكثر كلفة. اما الحديث عن التنمية المستديمة فانه يظل بلا معنى طالما اننا لم نبادر الى تسلم زمام مسؤولياتنا بدون تأخير.

لقد اكدت ادارة بوش لوفد الاتحاد الاوروبي الزائر بأنها تعترف بمشكلة التغيرات المناخية وبالحاجة الى العثور على حل لها. ومع ان هذا امر مشجع، الا ان كثيرا من الاميركيين يعتريهم خوف لا يقل عما نشعر به نحن في اوروبا من ظهور الحكومة الاميركية الجديدة بمظهر المتراجع عن الطريقة العملية الوحيدة المتوفرة بين ايدينا للتصدي للتغيرات المناخية، وبالتالي من التزامها بواجب من واجباتها على الصعيد الدولي. ويزعم البعض ان اتفاق كيوتو في حال تطبيقه ستكون كلفته كبيرة على الصناعات الاميركية. غير ان صيغة الاتفاق تتصف بالمرونة، بما يسمح للولايات المتحدة تقليص الكلفة المترتبة على تطبيقه. ولو كانت ادارة بوش تعتبر النسب التي حددت لها عالية جدا، فهذا لا يستدعي الانسحاب من الاتفاق برمته.

كما يشير البعض الى ان اتفاق كيوتو مجحف لانه يستثني الدول النامية. غير اننا في العالم الصناعي تسببنا في القسط الاكبر من المشكلة، ولهذا ينبغي ان نكون من اول المساهمين في التوصل إلى حل لها. وهل هناك اي انصاف او عدالة في ان كل اميركي يتسبب في اطلاق خمسة أضعاف ما يتسبب فرد من الدول النامية اطلاقه من الغازات العادمة؟ ومن هنا فان الرسالة المتضمنة في موقف الولايات المتحدة الاخير، من انها لن تبذل اي جهود في هذا السياق، الا إذا تحرك الآخرون الاقل قدرة على ذلك، رسالة اصابت الاوروبيين بالصدمة. فما من شك في ان مكافحة آثار الاحتباس الحراري تتطلب تعاون كل سكان الكرة الارضية. كما ان احدا لا ينكر ضرورة بحث مشاركة الدول النامية في تلك الجهود، غير ان ذلك يعد مسألة وقت لا اكثر، واتفاق كيوتو يعد الخطوة الاولى في هذا الاتجاه. ولهذا فان الانسحاب منه الآن لن يساعدنا على التحرك الى الامام.

فهل اتفاق كيوتو هو خيارنا الوحيد؟ اعتقد انه افضل ما هو متاح لنا حاليا، ونحن ملتزمون بتطبيقه بحلول عام 2002 كما كان هذا الاتفاق ثمرة مفاوضات دولية مكثفة على مدار سنوات، وهو صيغة حل وسط يوازن بين الظروف والمخاوف المختلفة للمناطق والبلدان الممتدة في انحاء الكرة الارضية، وهو انجاز لا يمكن التخلي عنه ببساطة. وبعد ان قطعنا هذا الشوط فان تمزيق هذا الاتفاق والبدء من نقطة الصفر يعتبر خطأ مريعا.

ولو كان بعض ما يرد في هذا الاتفاق يمنع الولايات المتحدة من التصديق عليه، فلا مانع من الجلوس والنقاش حوله، بدل التخلي عن هذا الاتفاق الهام الذي لا تزال معظم الدول الاخرى تؤيده.

بعد زيارة واشنطن سيتجه وفد الاتحاد الاوروبي خلال الاسابيع المقبلة الى كل من روسيا واليابان والصين، تلك الدول المساهمة بشكل كبير في انبعاث الغازات العادمة، والى ايران التي ترأس وفد الدول النامية في المفاوضات حول التغيرات المناخية. اما الرسالة التي سيحملها هذا الوفد تتلخص في اننا في الاتحاد الاوروبي لا نرى حلا لمشكلة التغيرات المناخية بعيدا عن اتفاق كيوتو، وان الاتحاد الاوروبي لا يزال على التزامه به سواء بوجود او غياب الولايات المتحدة.

*رئيس المفوضية الأوروبية خدمة «لوس انجليس تايمز» (خاص بـ«الشرق الأوسط»)