الإنسان في الطابور!

TT

بين الحين والحين يخرج علماء الاجتماع بتعريف جديد للانسان.. واقدم تعريف كنا نقرأه في الصحف والكتب زمان ان الانسان حيوان ضاحك.. ثم توارى هذا التعريف بعد ان وجدوا حيوانات تضحك مثل الشمبانزي.. وبعض الطيور تضحك مثل الببغاء.. وظهر تعريف آخر هو ان الانسان حيوان اجتماعي.. اي يعيش في مجتمعات وان هذه الرغبة او الغريزة هي التي ادت الى ظهور المجتمعات المتجانسة والتي بنت الحضارة ثم اتضح ان اكثر انواع الحيوانات تعيش في مجتمعات لا تقل تنظيما وفعالية عن المجتمعات الانسانية.. ثم قيل ان الانسان حيوان ذو تاريخ اي يستفيد من تجاربه وبهذا استطاع ان يصنع التمدن ولعله اقرب التفسيرات الى المنطق والواقع.

ولكن العلماء لا يكفون عن اختراع تعاريف جديدة لتمييز الانسان عن غيره من مخلوقات الله.. وآخر المتقدمين في هذا المجال هو العالم الانجليزي، جوزيف روبرت، الذي توفر على دراسة مطولة عن تفرد الانسان عن غيره من المخلوقات.. اما نتائج هذه الدراسة فكانت ان الانسان هو المخلوق الوحيد الذي يقف في الطابور لقضاء حاجاته.. وتؤكد هذه الدراسة العلمية ان عشق البشر للوقوف في الطابور هو الدليل الاكبر على رقي الانسان.. فهذا التصرف الجماعي يدل على روح التعاون البشري بين اشخاص لا يعرفون بعضهم بعضا وقد لا يجتمعون مرة اخرى!! ويقول روبرت ان هذا اللون من التعاون لا يوجد لدى الانواع الاخرى من المخلوقات.. وقد نشرت صحيفة «الاندبندنت» الانجليزية هذه الدراسة وتحمست لها.

ولا شك ان الانجليز هم اكثر الشعوب وقوفا في الطوابير.. وقد عانيت خلال السنوات الاولى من حياتي في بلاد الانجليز من الوقوف في الطابور في البرد الانجليزي والمطر للحصول على تذكرة في المسرح او القطار او البنك.. ثم تعودت على هذا الوقوف وعرفت ان اهم ادواته هو المظلة للوقاية من المطر.. واصطحاب مجلة او صحيفة لقضاء وقت الانتظار في ما يفيد.

ولعلنا نوافق وبلا تحفظ على نتائج هذه الدراسة.. فنحن نجد فعلا ان اكثر الشعوب المتقدمة بل كلها تحترم طابور الانتظار.. ولن تجد مواطنا انجليزيا او فرنسيا او ألمانياً.. يتخطى دوره في الطابور مهما كانت وظيفته او قيمته.. ولكنك تجد في الدول النامية ولا اقول المتخلفة من يتجاوزون دورهم في الطابور باعتبار انهم اهم من الواقفين فيه.. وأشيد هنا بتجربة السعودية في المطارات حيث يلتزم المسافرون بالطابور.. ولعل ما يتم في المطارات يتم في بقية الاماكن التي تحتاج الخدمة فيها للوقوف في الطابور.