هل تسمح الكويت بقيام أحزاب؟

TT

«قليل له نظام خير من كثير لا نظام له» الجاحظ القضية الساخنة اليوم في الوسط السياسي الكويتي هي المطالبة بانشاء الأحزاب، فمنذ ان اعلنت احدى الكتل السياسية (الحركة الدستورية الاسلامية) مطالبتها بتنظيم التعددية السياسية باطار قانوني والحديث عن ذلك لم يتوقف، ولعله من المفارقات ان تأتي هذه المطالبة باستكمال ركائز الديمقراطية من طرف ديني، إذ اشيع ان الفكر الديني الاسلامي يرفض التعددية السياسية ويعتبرها من المخالفات الشرعية، ويبرر قادة الحركة الدستورية الاسلامية مطلبهم من عدة وجوه:

الأول: ان أية تعددية سياسية في اطار الدستور الكويتي تبقى في نأي عن المخالفة الشرعية، فالدستور ضمن ان يكون الاسلام دين الدولة وان الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع، ناهيك من المبادئ العامة لهذا الدستور الذي تغلب عليه سمة الاسلام، لذا فان اي تنظيم تشريعي لن يسمح بقيام احزاب تتجاوز تلك المبادئ الدستورية. ورغم ان نظام الاحزاب السياسية جزء من العملية الديمقراطية، وان قبول الاسلاميين بهذه العملية يعني سلفا قبول هذا النظام، إلا ان الحالة الخاصة للدستور الكويتي تسد اي اعتراض من هذا النوع.

الثاني: ان المطالبة بتشريع ينظم تأسيس الأحزاب السياسية مقرون بمفهوم المواطنة، وعليه تصبح الاحزاب مفتوحة الأبواب لكل من يريد الانضمام اليها من المواطنين، وهذا يعني حظر انشاء الاحزاب على اسس طائفية او مذهبية او قبلية او فئوية.

هذا يعني ان التخوف من بعض اشكال الديمقراطية العربية (مثل الديمقراطية اللبنانية) غير مبرر، إذ ان هناك من كان يخشى ان تستغل الطوائف والقبائل هذا النظام لتكرس شكلها فيه، وتستمر في تدمير مفهوم المواطنة تحت ستار الديمقراطية.

الثالث: ان يتم انشاء الاحزاب لاستكمال العملية الديمقراطية، وهي عملية تستدعي ان تعلن هذه الاحزاب برامج تنموية على مستوى القطر، وتخوض بها الانتخابات وصولا لأغلبية برلمانية تمكنها من تشكيل الحكومة وتنفيذ وعودها الانتخابية.

وهذا يعني ان تنصرف الاحزاب الى القضية التنموية بدلا من تجربة العرب في مطلع القرن الماضي مع الاحزاب التي انصرف همها الى الايديولوجيا، وهي تجربة يستخدمها المعارضون للنظام الحزبي ليخوفوا بها المترددين. وأخيرا: فان الديمقراطية الكويتية بلغت مرحلة الاختناق، فهي تمنح 5% من سكانها حق الانتخاب بشكل يمكن التأثير فيه، وتصنع مجلسا منتخبا لديه حرية واسعة في التعبير والاحتجاج، ولكنه لا يملك القدرة الفاعلة على التشريع والالزام السياسي، ويصنع حكومة تفتقد الأغلبية البرلمانية مما يجعلها فاقدة للمبادرة والمناورة، وكل ذلك يجعل صناعة القرار السياسي عملية صعبة وبطيئة ومليئة بالاعتبارات الخاصة.

لذا تصبح دعوة تشكيل الاحزاب مخرجا من هذا المأزق، ودفعة لتحريك الجمود الذي اصاب النظام السياسي الكويتي.

الغريب ان المؤيد الثاني لمثل هذه المطالبة هو تكتل ديني آخر (الحركة السلفية)، إذ اعلن تأييده مبكرا وصرح ناطق عنه انهم يعدون مقترحاً قانونياً بشأن هذا الأمر لعرضه على مجلس الأمة، في الوقت الذي لم يظهر عن مؤسسة الحكم ما يحسم موقفها ازاء هذه القضية، فلقد اعلن الشيخ سالم الصباح وزير الدفاع السابق (وهو من اعمدة الأسرة الحاكمة) تأييده لقيام الاحزاب، بينما اعلن الشيخ صباح الاحمد نائب رئيس الوزراء (وهو من اقطاب الحكم) رفضه لمثل هذه المطالبة، غير ان ابقاء الأمر على ما هو عليه هو استمرار للاختناق في ظل تبرز فيه تكتلات جديدة على الساحة بدون أية ضوابط.