التكتيك المتبقّي للقيادة الفلسطينية

TT

بذهابها الى مؤتمر مدريد عام 1991، وضعت اطراف الصراع العربي ـ الاسرائيلي انفسها في موضع الملتزم والمتعهد بتسوية هذا الصراع سلميا مهما كلّف الامر وطال الزمن.

وكان ذلك ثمرة تجربة مرة طويلة أقنعت اصحاب الرؤوس الحامية من الجانبين بان التسوية بالوسائل الاخرى، الحربية، غير ممكنة، او هي تندرج في خانة المغامرات والمقامرات غير المضمونة النتائج. فالعرب، وخاصة الفلسطينيين، ادركوا ان سياسة «كل شيء أو لا شيء» يمكن ألا تحقق أي شي، او في الاقل قد يضيع معها، بمرور الوقت، كثير مما كان يمكن الحصول عليه في مراحل سابقة، وقد ضاع بالفعل الكثير والكثير خلال اربعين عاما. والاسرائيليون الذين ظل ميزان القوى الاستراتيجي يميل الى جانبهم باستمرار، وجدوا ايضا ان من المستحيل السير الى ما لا نهاية على طريق القوة والحرب، ومصادرة حقوق شعب بأكمله، والاستمرار في احتلال اراضي الجيران والعيش في بحر من الاعداء الى الابد.

وبينما تمسّك العرب طيلة السنوات الماضية بالخيار السلمي، كان يظهر المزيد من الدلائل على ان «حليمة» الاسرائيلية لا تريد ان تكفّ عن عادتها القديمة. فرئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي آرييل شارون لم يتردد، حتى قبيل انتخابه، في المجاهرة بتعويله على وسيلة الحرب والعدوان لفرض شروطه على الفلسطينيين وسائر العرب. بل انه الآن يشنّّ عن سابق اصرار وترصّد حربا تتوافر فيها كل المواصفات التقليدية للحرب.

ومما يستند اليه شارون في سياسته المناهضة لمبادئ التسوية السلمية ان الحكومة السابقة برئاسة سلفه ايهود باراك اعتبرت ان كل حكومة اسرائيلية لاحقة هي في حلّ من اية تفاهمات حصلت بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني في كامب ديفيد وشرم الشيخ، ولم تُصَغ في اتفاق نهائي بسبب اعتراض الفلسطينيين على بعض البنود المقترحة التي لا تلبي مطالبهم. وهذا التنصل اقدمت عليه ايضا الادارة الاميركية السابقة برئاسة بيل كلينتون باعتبارها الراعي الرئيس، بل الوحيد، للعملية السلمية، مما يعني ان على الفلسطينيين ان يعودوا الى المربع الاول قبل تلك التفاهمات، إن لم يكن برضاهم فبهذه الحرب التي يديرها شارون الآن.

وبطبيعة الحال لا احد يفترض ان القيادة الفلسطينية سوف تستسلم لشارون وتمنحه ما يريد، وهو وقف الانتفاضة للعودة الى المفاوضات، فخطوة كهذه ستكون عملا انتحاريا من جانبها. فما العمل إذن اذا ما تمسك شارون بخياره الحربي؟

ما من خيار امام الفلسطينيين، بالطبع، غير الاستمرار في الانتفاضة. لكن هذا الاستمرار يبدو مؤذيا للفلسطينيين اكثر مما هو مؤذ للاسرائيليين في ظل انعدام القدرة على الردع العربي لسياسة شارون الهمجية، ومحدودية الدعم العربي للانتفاضة، وانصراف العالم عن الضغط على اسرائيل الى مواجهة ازماته السياسية والاقتصادية ومشاكله الاجتماعية والصحية.

ولهذا ربما كان الاسلوب الانجع لمواجهة عنجهية شارون وصلافته، هو ان تعلن القيادة الفلسطينية انها لم تعد ملزمة بالتفاهمات والتعهدات السابقة، وانها، على هذا الاساس، لا تلتزم بوقف الانتفاضة، واذا لم توقف حكومة شارون حربها وتعلن انها ستعود الى طاولة المفاوضات وتقبل بفتح ملفاتها من حيث انتهت اليها جلسات المفاوضات في كامب ديفيد وشرم الشيخ، فان على حكومة شارون ان تواجه المنتفضين رأسا برأس، وان القيادة نفسها ستنضم الى رماة الحجارة في الشوارع.

لن يخسر الفلسطينيون اكثر مما هم يخسرون الآن ببطء بشريا وماديا اذا انتهجت القيادة الفلسطينية تكتيكا كهذا. بل ان اسرائيل هي المرشحة لتكبد خسائر اكبر ستدفع شارون في النهاية الى التراجع والبحث عن طريقة للتفاهم مع القيادة الفلسطينية، التي ما زال الكثيرون في حكومة شارون وخارجها يرون انه ليس في وسعهم ايجاد شركاء لهم في العملية السلمية افضل من هذه القيادة.

[email protected]