روس كاتبا

TT

«قبل اي شيء، انه لا يستطيع ان يفكك السلطة الفلسطينية. وليس في امكان اي رئيس وزراء اسرائيلي ان يعيد الساعة الى الوراء ويعيد احتلال غزة ومدن الضفة الغربية. ان مثل هذه الخطوات سوف تكون كارثية وآرييل شارون لا يجهل ذلك أبدا. اضافة الى هذا فهو لا يستطيع ان يفرض على الفلسطينيين ارادة اسرائيل. ليس هناك اي حل عسكري للانتفاضة. ففي إمكان الدولة العبرية ان تلحق آلاما شديدة بالفلسطينيين لكن هؤلاء يستطيعون ايضا ان يعقّدوا حياة الاسرائيليين. والأرجح ان شارون لن يميل الى شن حرب استنزاف، لأن ذلك سوف يجرد الاسرائيليين بالتأكيد من كل امن».

صاحب هذا الكلام ليس عضوا في منظمة التحرير ولا كاتبا عربيا من اؤلئك الكتاب الذين شتمهم الصحافي الاميركي ريتشارد كوهن في «الواشنطن بوست» واتهمهم ببث الكره والبغضاء، في الوقت الذي تبث فيه اسرائيل روح الألفة والمحبة وتطلق في اجواء الشرق الأوسط جميع انواع الحمام واليمام، زاجلا كان أم غير زاجل. في اي حال صاحب هذا الكلام هو صاحبكم وصاحبنا جميعا المستر دينس روس الذي استقال بعد 12 عاما من مهمة شاقة كانت خلاصتها اقناع العرب والفلسطينيين بحسنات وفضائل السلام وفقا للمشيئة الاسرائيلية.

تحول المستر روس مثل جميع زملائه من قبله الى كاتب وخبير في شؤون الشرق الأوسط. ربما من الصعب عليه بعد كل تلك السنين في خدمة الحياد الاميركي والنزاهة السياسية ان يعود الى حيث بدأ حياته السياسية في «اللوبي» الاسرائيلي في واشنطن. ولذلك فهو يبحث عن حقل يزرع فيه تجاربه وخبراته ودراساته الطويلة للطبع العربي ولما يمكن ان يقبله العرب من عطايا اسرائيل وتنازلاتها ومكارمها الانسانية التي تعلن نفسها أمام العالم كل يوم بصاروخ او مدفع او دبابة. المؤسف في كلام المستر روس وشرحه الفرويدي لنفسية ومعارف وادراكات شارون، ان كلامه عن استحالة العودة الى الوراء واحتلال غزة، نُشر قبل ان يتفضل شارون ويتذكر «نداء» المخيمات المتأجج في دمائه فيهجم على مخيم غزة كأننا في عام 1982 وفي ضواحي بيروت حيث ترك لنا وللاسرائيليين ذكرى لا تنسى ولا تمحى ولا تغيب.

طبعاً المستر روس يحمّل ياسر عرفات المسؤولية الأولى، فهو الرجل الغامض الذي يشجع الانتفاضة، وهو الرجل العنيد الذي يصر على المطالب الفلسطينية. ويبدو وكأن هذه مشكلة عرفات مع جميع الساعين الى السلام، فهو لا يقبل عروض ناتانياهو، وهو يرفض مكارم باراك وها هو الآن يكشف عن وجهه الحقيقي ويرفض سخاءات شارون واقتطاعاته من الضفة الغربية وأحلامه ببناء المستعمرات، كما يرفض بعناد واضح دعوة جورج بوش الى وقف «العنف الفلسطيني». وما بين العروض الاسرائيلية والفيتو الاميركي يبدو ان أنفاق الشرق الأوسط لا اضواء في بدايتها ولا في نهايتها، لأن اثنين يرفضان ان يتغيرا: الراعي ومرعيه الأول!