الحرب الخامسة.. ومسؤولية شعب إسرائيل

TT

خلال المعركة الانتخابية على مقعد رئيس وزراء اسرائيل بين ايهود باراك وارئيل شارون، كتبت مقالاً في «الشرق الأوسط» أشرت فيه إلى أن شعب اسرائيل سوف يتحمل المسؤولية كاملة عن نتائج الانتخابات واختيار رئيس وزرائه ويتحمل مسؤولية جرائمه إذا استمر العنف والاستيطان ومقاومة السلام كما تحمل الشعب الألماني مسؤولية جرائم النازية بعد الحرب العالمية الثانية.

وأظهرت نتيجة الانتخابات موقف الشعب الاسرائيلي الحقيقي من قضية التسوية السلمية مع شعب فلسطين، إذ اختار شارون الذي كان يعلن بوضوح أنه ضد كل ما تم الاتفاق عليه في المفاوضات مع السلطة الوطنية الفلسطينية.

شعب اسرائيل إذن أصبح مسؤولاً عن خطوات وأسلوب شارون لمواجهة الموقف بعد أن أصبح رئيساً للوزراء واستطاع تشكيل حكومة ائتلافية تضم حزب العمل الذي أثار موقفه الاستنكار عند أنصار السلام لقبوله الوزارة مع عناصر من أحزاب دينية ومتطرفة نادى بعضها بضرب السد العالي وايران وغيرهما.

وما أن وصل شارون إلى مقعد رئيس الوزراء وحصل على تأييد الكنيست حتى بادر باتخاذ مواقفه العدوانية الشرسة فيما أطلق عليه خطة (حقل الأشواك) التي أعلن أنها ستنفذ خلال مائة يوم.

ومن المثير أن استطلاعات الرأي قد أظهرت تأييد شعب اسرائيل لخطوات شارون، في استفتاء نشرته صحيفة «هاآرتيس» أظهر أن 79% من الاسرائيليين يؤيدون شارون في استخدام القوة العسكرية ضد الفلسطينيين وعدم عودة المفاوضات في ظل ما يسمونه بالعنف. والمعارضة الوحيدة لشارون تأتي من جانب اليمين المتطرف الذي يطالب بمزيد من الشدة، كما أعلن الحاخام أوفاديا يوسف زعيم شاس عندما طالب بإبادة الفلسطينيين بالصواريخ.

وشارون الذي ينادي بوقف العنف رفض وجود قوات دولية في المنطقة بناء على قرار مجلس الأمن، وبادرت أمريكا إلى استخدام حق النقض تأييداً لموقف شارون بدون أي اتمام بالتناقض الصارخ بين المناداة بوقف العنف، وبين رفض وجود قوات دولية تعمل على وقف العنف! وبدأت خطة شارون تدخل مرحلة التنفيذ ببناء مستوطنات جديدة وتصعيد الغارات الوحشية التي تستهدف اغتيال قيادات فلسطينية، وضرب وتدمير مقار حرس ياسر عرفات ومراكز الشرطة، وحصار القرى والمناطق الفلسطينية لخلق حالة غير مسبوقة من التجويع والبطالة، ومواصلة أسلوب ايهود باراك في استخدام الصواريخ وقنابل الطائرات وقذائف الدبابات والمدافع الرشاشة بصورة أشد قسوة وعنفاً لضرب المدنيين وتدمير القرى، إلى الحد الذي جعل الجنرال موفاز يعلن أن القوات الاسرائيلية المسلحة تدخل الآن حربها الخامسة.

هكذا يتدهور الموقف بسرعة مذهلة، ويكشف شارون عن جموحه العدواني، ومع ذلك لا تشهد اسرائيل مظاهرات صاخبة وغاضبة مثل التي شهدتها أثناء غزو لبنان عام 1982 عندما تجمع أكثر من 400 ألف مواطن في تل أبيب ليعلنوا ادانتهم للغزو مطالبين بالانسحاب من لبنان، أو عندما تجمع مئات الألوف ليلة اغتيال اسحق رابين في تل أبيب أيضاً لتأييد خطواته نحو السلام.

لم يعد هناك صوت مسموع لأنصار السلام داخل اسرائيل، وأصبحت مسؤولية الشعب الاسرائيلي عن خطوات واجراءات ارئيل شارون واضحة، ومع ذلك فإن الساحة ليست خالية له وحده فقط، وما يقوم به هو والجنرال موفاز رئيس الأركان ليست هي الكلمة الحاسمة. فالانتفاضة تدخل بعد أيام شهرها الثامن بدون أن تتوقف رغم جسامة التضحيات، وتصاعد موجات القتل والتدمير. ولا تشير الظروف إلى احتمال توقفها أو انصراف الشعب الفلسطيني عنها لأن ضغوط الحكومة الاسرائيلية جعلت المسألة، مسألة حياة أو موت عند المواطن الفلسطيني، وهو أمر يدخل الشعب الاسرائيلي في حرب استنزاف لن يستطيع احتمالها. ومازلنا نذكر حرب الاستنزاف التي شنتها مصر ضد القوات الاسرائيلية شرق قناة السويس لمدة ثلاث سنوات وشهرين، والتي ما أن توقفت مع قبول مبادرة روجرز التي نصت على وقف اطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر في 8 أغسطس 1970 حتى خرجت الجماهير الاسرائيلية ترقص في الشوارع ابتهاجاً بزوال الظروف التي وضعتهم في حالة توتر دائم وخسائر مستمرة.

ومن جانب آخر، فإن الانتفاضة قد فرضت نفسها على الحياة السياسية العربية. فانعقاد قمة أكتوبر 2000 في القاهرة، وانعقاد قمة عمان في مارس 2001 جاءا نتيجة مباشرة للانتفاضة وتأثيرها مع الجماهير العربية. ولن يتوقف التأييد العربي عند حد انعقاد مؤتمرات القمة، ولكنه لابد أن يتواصل طالما هناك تعنت وعنف اسرائيلي في مواجهة الذين يتظاهرون من أجل تحرير أرضهم والحصول على حقوقهم المشروعة. وهنا نشير إلى أن من النتائج الايجابية التي أدى إليها أسلوب شارون، ومقاومة الفلسطينيين، هذا التفاهم والتقارب السوري الفلسطيني.

أقصد من ذلك، القول بأن أسلوب شارون مهما بلغت غطرسته وعدوانيته، ومهما وجد من تأييد عند الادارة الأميركية الجديدة التي لم تظهر حتى الآن موقفاً يدل على حرصها على اقرار السلام فإنه لن يحقق أهدافه في تدمير ارادة شعب فلسطين وأمته العربية بقبول الاستسلام بدلاً من السلام، وأم المسؤولية في النهاية تقع على عاتق شعب اسرائيل.