الجانب الآخر

TT

المعرض الضروري ليس مهما برأيي الخاص أن يكون هناك «كومدكس» السعودية أو «جيتكس» السعودية أو حتى «سيبت» السعودية، مع احترامي لكل منظمي هذه المعارض المهمة، فهو أمر يعتمد على نشاط منظمي هذه المعارض وتخطيطهم السليم، فالأهم بالأساس أن يكون هناك أصلا معرض جاد واحترافي لتقنية المعلومات في هذا البلد العربي الكبير، متخصص بكل ما تعني الكلمة، بغض النظر عن اسم هذا المعرض، أو منظميه. لا أستطيع القول بان المعارض التي كانت وما زالت تقام في مدن المملكة المختلفة، لم تكن ذات أهمية بل على العكس من ذلك تماما، فهي تساهم وباستمرار بتحديث معلومات المواطنين بما يتعلق بكثير مما يستجد في عالم تقنية المعلومات. كما أنها تشكل فرصة موسمية أمام المستهلكين، يزورون فيها كل بائعي البرمجيات والأجهزة وملحقاتها تحت سقف واحد، بحيث يمكنهم مقارنة أسعارها واتخاذ قرار الشراء بأسرع ما يمكن، خاصة ان الشركات تضطر بسبب التنافس تحت هذا «السقف الواحد» إلى تخفيض أسعارها بشكل يؤلمها في بعض الأحيان.

المهم هنا ملاحظة أن العامل المشترك بين الغالبية العظمى من هذه المعارض، أنها كانت موجهة لخدمة المستهلكين بالذات، لدرجة أنها أصبحت في كثير من الأحيان أشبه بالأسواق الشعبية، أو حتى أسواق الخضار. ولا أقول هنا أن التوجه للمستهلكين خطأ، بل على العكس من ذلك، فهو أمر ضروري لأقصى الحدود، حتى ولو بيعت الأجهزة والبرمجيات كما تباع الخضروات، طالما أن هذا سيشجع الناس على سرعة جعل تقنية المعلومات جزءا من حياتهم وحياة أسرهم. بل أنني أرى أن بيع البرمجيات حسب نظام اشتري اثنين واحصل على الثالث مجانا كما يحصل مع العصير أو حتى الصابون، سيساهم في كسر الحاجز النفسي الذي ما زال يمنع الكثيرين، ليس في عالمنا العربي فحسب، بل وحتى في العالم الغربي المتقدم، من الإقبال على الكومبيوتر بسبب الغموض الذي أحاط به، وتوهم الناس بأنه يحتاج إلى عبقرية لا تتوفر عند معظم الناس لتشغيله.

إن ما نحن بحاجة له الآن، هو إدراك وترسيخ حقيقة أن تقنية صناعة المعلومات هي بترول هذا القرن، بل وربما تكون ذات جدوى اقتصادية اكبر من البترول الحقيقي، لأنها اقل تكلفة عندما نحصل على منتجاتها النهائية. ولكن ما علاقة ذلك بمعارض تقنية المعلومات المحترفة؟ العلاقة وثيقة، فأنا كمستهلك عادي لا يهمني من النفط سوى البنزين وغاز الطبخ واستخداماتهما، أما الدول وصانعو القرار فيها، فيفكرون بالنفط الخام وبأسعاره، وإقامة المصانع لتكريرة، ثم فتح أسواق جديدة خارجه لتسويق منتجاته ودعم الاقتصاد الوطني بمصادر دخل جديدة. وينطبق هذا على تقنية المعلومات بشكل كبير، ولكن بنسبة تلوث أقل بكثير من تلك التي يتسبب فيها النفط ومنتجاته، فمنتجات تقنية المعلومات تعتمد على ثلاثة عناصر مهمة، أجهزة كومبيوتر وبرمجيات للتطوير، وعقول، وتشجيع الحكومات. العنصران الأولان متوافران في العالم العربي بكثرة، أما الثالث فيعاني الناس أحيانا من صعوبة في الحصول عليه، ولهذا فإنه في الغالب لا يعتمد عليه، وذلك بسبب التعطش الهائل في العالم المتقدم لكل منتج جديد في هذه الصناعة مما يجعل الشركات العربية وحتى الأفراد تتجه للأسواق الخارجية مباشرة. ولأن هذه المنتجات التقنية عالية المستوى وكذلك زبائنها ، فإن تسويقها وعرضها يحتاج لأساليب ومعارض خاصة مناسبة تختلف عن أساليب تسويق المنتجات الاستهلاكية. فالنمو الكبير الذي تشهده قطاعات تقنية المعلومات في العالم العربي، قد بدأ بجذب أعدادا جديدة من الشركات التي تبحث عن شركاء لها في المنطقة لتسويق منتجاتها، أو حتى تطويرها، ولعل المشاركة السويدية الأولى من نوعها في «كومدكس السعودية 2001» دليل واضح على ذلك. ولأن التنافس بين هذه الشركات المحلية أو الخارجية هو على منتجات عالية المستوى، فلن يكون من السهل التدليل عليها وبيعها بأسلوب الاعتماد على الصوت العالي وسماعات الستيريو، أو بنظام اشتري نظامين لإدارة نظم المعلومات واحصل على ماوس مجانا.

نقطة أخرى أحب طرحها هنا، وهي أن حاجتنا لمعرض عالي المستوى في دولة عربية لا تعني حاجتنا لاثنين أو ثلاثة، فحجم السوق الحالي لا يتحمل أكثر من معرض واحد في السنة بأي حال من الأحوال. ولهذا فلا داع للصراع بين منظمي المعارض على السيطرة على نفس الأسواق، لأن ذلك لن يؤدي سوى للخسارة ولنفور الشركات من المشاركة، وبخاصة عندما يطلب منها المشاركة في معارض متلاحقة وفي نفس الفترات الزمنية.

فإن استطاع «كومدكس» أن يكون هو السباق في السعودية فهنيئا له، وان استطاع «جيتكس» أن يكون هو السباق في مصر ولبنان، فهنيئا له أيضا، ولا داع لأي منهما أن ينافس الآخر على السوق الذي نجح فيه، لأنه لن يستطيع ذلك أصلا. المهم لدينا أن يكون هناك اتصال عربي دائم ومتفاعل مع عالم تقنية المعلومات السريع التطور، الذي لا يعترف بحدود.