إعلان «طهران» الفلسطيني.. الصوت الإيجابي هو الاقوى

TT

قبل نحو عشر سنوات عقد في طهران المؤتمر الدولي الأول لدعم القضية الفلسطينية بقرار من مجلس الشورى الاسلامي تحت عنوان «دعم الثورة الاسلامية في فلسطين». وقد قدر لذلك المؤتمر ان يحمل مهمة تشكيل التحالف الشهير الذي عرف في ما بعد بتحالف الفصائل العشرة الفلسطينية المناهضة للتسوية الاميركية للقضية لمصلحة الكيان الصهيوني وعلى حساب الشعب الفلسطيني وقواه الحية، وبعبارة أخرى فإن «انجاز» المؤتمر وحسب اتفاق آراء المشاركين فيه آنذاك، هو أنه استطاع اسقاط «تسوية» مدريد في بعدها الفلسطيني.

في ذلك المؤتمر كما في المؤتمر الدولي الجديد الذي انتهت أعماله قبل أيام في طهران كان صوت الفصائل الفلسطينية الايجابي منه والسلبي هو الاقوى رغم مشاركة فعالة من الشخصيات والرموز الفلسطينية والعربية المناصرة للقضية وكذلك من الوفود البرلمانية العربية والاسلامية والعديد من الفعاليات الحزبية والمستقلة، لا سيما في المؤتمر الجديد، حيث شاركت شخصيات بارزة تشترك لأول مرة في مثل هذا النشاط على الأرض الايرانية أمثال الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة السورية السابقة والدكتور سليم الحص رئيس وزراء لبنان السابق وحسين الحسيني رئيس البرلمان اللبناني السابق، بالاضافة الى مشاركة فعالة من جانب شخصيات فلسطينية ذات تاريخ نضالي عريق رغم ابتعادها عن العمل الحزبي المباشر امثال منير شفيق وأبو ماهر اليماني ورفعت النمر والياس شوفاني وليلى خالد واسامة النقيب.

غير ان المؤتمر الثاني (الجديد) تمايز عن السابق بما يلي:

أولاً: انه انعقد تحت عنوان «دعم الانتفاضة الفلسطينية» وليس «الثورة الاسلامية في فلسطين».

ثانياً: ان الفصائل الفلسطينية المدعوة والمشاركة لم تعد عشرة بل الفصائل الفلسطينية كافة من دون استثناء.

ثالثاً: ان جميع الفلسطينيين المشاركين وقعوا على «توافق» وقعه كل من خالد مشعل وفيصل الحسيني نيابة عن «الفصائل والقوى والشخصيات» الفلسطينية سمي اعلان طهران وقرأه اسامة النقيب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورتها الأولى باعتباره من الرعيل الأول وموضع اجماع الاطراف المختلفة. وكان ابرز ما فيه التأكيد على: «دعم الانتفاضة واستمرارها ورفض وقفها حتى دحر الاحتلال من دون قيد أو شرط...» بالاضافة الى سائر الثوابت الفلسطينية المعروفة.

رابعاً: اعلان ابو الاديب سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني بان «أوسلو قد ماتت»، وانها كانت «قصورا من خيال بالاساس». وانه «يوافق بالتمام والكمال على كل ما قاله مرشد الثورة الاسلامية في ايران بخصوص القضية الفلسطينية» مقابل «توافق» الفصائل العشرة على «نسيان الماضي» والبدء بصفحة جديدة من التعاون والعمل السياسي المشترك على قاعدة ما رسخته الانتفاضة من وحدة وطنية سمتها الفصائل العشرة «بالحقيقية» فيما سمتها القوى القريبة من السلطة بـ «الميدانية».

خامساً: الايرانيون من جهتهم الذين احتضنوا الجميع وانتقلوا بالشعار الى مرحلة جديدة كما اسلفنا اخذوا ايضا على ما يبدو يميلون للتعامل مع الملف الفلسطيني ليس فقط من خلال الموقف العقائدي والايديولوجي والسياسي، بل ايضا بديبلوماسية متحركة ومفتوحة على كل الابعاد تجمع بين المبدأ والاصولي من جهة والعملاني و«الاصلاحي» من جهة أخرى.

ثمة من وصف الموقف الجديد في المؤتمر الدولي لدعم القضية الفلسطينية في طهران، من أصحاب النظرة السوداوية و«خبثاء» النيات من المحللين السياسيين بأن طهران ارادت من خلاله «وأد» أو تجاوز مرحلة أو عصر الفصائل العشرة المناهضة للتسوية، لكن ثلة من المتفائلين بالمقابل اعتبروا المؤتمر مشروعا عملانيا فيه استجابة للمرحلة الجديدة من التحديات هدفه حماية الانتفاضة من اخطار المصادرة أو الانحراف أو «التوظيف» في اطار مشروعات سياسية تسووية جديدة كما حصل مع الانتفاضة الأولى.

أيا تكن صحة هذه التوقعات أو تلك إلا ان القدر المتيقن على ما يبدو هو ما تبلور من وحدة للموقف «الميداني» الذي اتفق عليه الجميع في الكواليس كما في العلن يتضمن في جوهره خطة عملية لاسقاط مشروع شارون الأمني و«ارساله الى الجحيم» بأقصر من المدة التي استغرقتها رحلة باراك الى جهنم.

لقد قال المناضل الفلسطيني الرمز فيصل الحسيني كلاما مهما خلال مداولات المؤتمر مفاده «ان كفاحا مسلحا من دون خطة سياسية لاستثماره يعد عملا عدميا، فيما يعد أي عمل سياسي دون اسناد خيار القوة له بمثابة عمل عبثي لا مردود له بالتأكيد».

هذا فيما قال القائد الميداني المجرب لعملية الجمع بين عمل العسكر والسياسة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني بأن «من يظن ان معركتنا مع الصهاينة معركة حدود مخطئ تماما ان لم يكن ابلها، وانه لا يمكن لهذه المنطقة ان ترى النور والأمن والاستقرار الا بزوال هذا الكيان الطارئ والغريب ان عاجلا أو آجلا»، مهددا المستوطنين الصهاينة «بأننا قادمون اليكم من حيث تحتسبون ومن حيث لا تحتسبون» وانه «ما عليكم الا ان تحزموا امتعتكم وترحلوا وتعودوا من حيث اتيتم».

من جهتهم فإن قادة الايرانيين من المنظمين والمشرفين أو الناظرين على المؤتمر أكدوا على بعض الحقائق التي يبدو انها ستكون سياسة ثابتة في التعامل مع الملف الفلسطيني وهي:

أولاً: لا حل للقضية إلا على يد ابنائها.

ثانياً: لا نقبل بأي تفريط بالقدس والمقدسات.

ثالثاً: لا تراجع عن الموقف الايراني المناهض للتسوية الاميركية والاسرائيلية غير العادلة حتى لو كان ذلك مقابل حصار ايران ومقاطعتها.

رابعاً: ان القضية الفلسطينية ليست محدودة بقطريتها بل انها تدخل في اطار المواجهة الحاصلة في سياق الدائرة الحضارية الاكبر.

خامساً: ان الوحدة الفلسطينية التي افرزتها الانتفاضة انجاز كبير ينبغي المحافظـة عليه وتدعيمه وتعزيزه من خلال الدفع بالانتفاضة الى أعلى درجاتها باعتبارها المشروع الاكثر مشروعية فلسطينيا وعربيا وعالميا، الذي يمكن التعويل عليه في تحقيق تقدم حقيقي باتجاه استعادة الوطن الفلسطيني وتحريره من ربقة الاحتلال والاغتصاب.

والسؤال الآن هو: هل سيشكل انعقاد مؤتمر طهران الجديد منعطفا جديدا في مسيرة النضال الفلسطيني، كما كان يخطط له المشرفون عليه وفي طليعتهم امينه العام وصاحب الكلمة الأخيرة في البيان الختامي، كما في مشروع المتابعة، كما في المقررات «غير المعلنة» للمؤتمر كما يشاع؟ أم أنه سيضاف الى عشرات المؤتمرات العربية والاسلامية والدولية الأخرى التي انعقدت تحت راية فلسطين ولم تقدم سوى «شيكات بدون رصيد» كما يقول بعض «خبثاء» المحللين مرة أخرى؟؟ هذا ما ستكشفه الأشهر المقبلة.