الذكرى والرسالة

TT

مع مرور الذكرى الثالثة والخمسين لقيام دولة اسرائيل واقتلاع الفلسطينيين من بيوتهم واراضيهم، تجلت امس في قطاع غزة والضفة الغربية رسالة واضحة لا تخطئها بصيرة من يريد التبصر، ولا حكمة من ينشد الحكمة، وهي رسالة جوهرها ان اسرائيل التي نجحت في تصنيع القنبلة النووية، هي نفسها اسرائيل التي فشلت تماما في تحقيق امن يقوم على السلام مع الشعب الفلسطيني. وبسبب هذا الفشل الذريع فان جيش «الدفاع» الاسرائيلي يمارس يوميا الهجوم العدواني على فلسطينيين عزل فيقتلهم في بيوتهم بقذائف دباباته، او يشتبك مع منتفضين شبه عزل فيحصدهم بلا رحمة، او يخطط لاغتيال بعضهم تخطيطا دقيقا ثم يرسل طائراته العمودية لتنفيذ المهمة.

مرت ذكرى النكبة الفلسطينية هذا العام في مرحلة تُذكر ببدايات الصراع قبل اكثر من نصف قرن. شعب يقاوم الاستيطان والاحتلال الاجنبي، مستوطنات تنهش الارض وتقتل البشر والزرع، وفارق واسع بين تسلح واداء عصابات الارهاب الصهيونية مثل «شتيرن» و«هاجاناه» وبين قدرات الفلسطينيين سلاحا وتدريبا. ومع وجود اوجه تشابه، هناك ايضا اختلاف كبير ومهم بين الامس واليوم يتمثل في ان الفلسطينيين صامدون ولا يوجد من يفكر منهم في الرحيل عن الوطن. هذا الصمود هو اساس الهزيمة الاسرائيلية الآتية، اذ لن يستطيع الاسرائيليون العيش الى جوار الفلسطينيين من دون سلام، كما انهم لن ينجحوا في ادامة الاحتلال بسلام.

والحقيقة الواضحة للجميع هي ان السلام في متناول اسرائيل لو ارادته حقا، ويمكن ان يبدأ بهدنة بعد الانسحاب الاسرائيلي من كل الارض المحتلة سنة 1967ثم تلي الانسحاب مفاوضات حول حقوق اللاجئين وعودتهم، وحول التعايش الودي، بل التعاون لمصلحة الجميع.

ماذا عن الامم المتحدة في هذه الذكرى؟ ان قراراتها واضحة جداً ولكن لا يُطبق منها الا ما يُفرض من الطرف القوي. لقد قامت اسرائيل بقرار دولي، ولكنها قاومت بالسلاح تطبيق الشق الثاني للقرار والذي ينص على اقامة دولة عربية فلسطينية. وتعرقل اسرائيل تطبيق قرارات عودة اللاجئين، وتشرّع لذاتها قوانين تشجيع الهجرة اليهودية والاستيطان في اراض عربية محتلة، وبالتالي تقول للجميع بوضوح وعلناً ان عدد الاسرائيليين سيتضاعف عبر الهجرة، وستكون هناك حاجة للمزيد من الارض الفلسطينية والعربية، أي المزيد من الحروب غير المتأثرة بقرارات الامم المتحدة ومبادئ منع الاحتلال بالقوة المسلحة. واضح ان الصراع طويل، ومن الافضل الاستعداد فلسطينيا وعربيا لكل الاحتمالات، ولهذا يظل من الضروري دعم الشعب الفلسطيني على الجبهة الامامية، مع عدم تجاهل او هدر أي فرصة جادة لاستعادة السلام في المنطقة عبر اعادة الارض وكامل الحقوق وضمان التعايش المتساوي.