الرهان الخاسر على شارون

TT

خلال حملة الانتخابات الاسرائيلية الماضية انبرى عدد من الكتاب وبعض السياسيين للترويج لمقولة ان ذهاب ايهود باراك ومجيء آرييل شارون الى رئاسة الحكومة في اسرائيل لن يضرا القضية الفلسطينية، بل ان شارون سيكون بديلا افضل، وان سياساته اليمينية ربما تدفع بالامور نحو التسوية. وسعى هؤلاء الى استرجاع التاريخ لتبرير نظريتهم، مشيرين الى ان الليكودي مناحم بيغن وقع اتفاقية السلام مع مصر، وان «الصقر» اسحق رابين تحول الى «حمامة» وصافح ياسر عرفات ووقع معه اتفاقيات ومذكرات السلام.

وشارك معارضو السلام في تلك المبارزة بعمليات تفجير، بينما اتخذ عدد كبير من عرب 1948 موقف المقاطعة للانتخابات الاسرائيلية. ونجح دعاة إسقاط باراك في الجانب العربي، بينما تدافع الناخبون الاسرائيليون للتصويت لشارون وبرنامجه المتطرف ضد السلام، وتصريحاته المغالية في العداء للعرب عموما وللفلسطينيين على وجه الخصوص.

وكان هناك جانب آخر في تلك الصورة، ادى الى قبر عملية السلام تماما، وهو الجانب المتمثل في انتهاء ولاية الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون الذي اعطى لعملية السلام في الشرق الاوسط وقتا اكثر من اي رئيس اميركي آخر. صحيح ان الرجل تعرض لانتقادات كان بعضها مبررا، خصوصا في ما يتعلق بانحياز بعض مساعديه ومبعوثيه الى الجانب الاسرائيلي، لكن هل كانت هناك أية ادارة اميركية يمكن ان يقال انها منحازة الى جانب الفلسطينيين وليست متعاطفة او متحالفة مع اسرائيل؟

ان السياسة هي فن الممكن، الا عند بعض العرب. واولئك الذين روجوا لمجيء شارون ارادوا للمنطقة وللفلسطينيين الرهان على طريقة «الروليت الروسي» بوضع مسدس محشو بالرصاص والحقد على الرأس العربي.

وكانت النتيجة هي انطلاق رصاصة شارون ليسيل الدم الفلسطيني بغزارة، وتتسع رقعة التوتر والمواجهات على كل الجبهات.

ولا يملك المرء الا ان يتساءل: كيف يبرر اولئك الكتاب والسياسيون الذين روجوا لنظرية مجيء شارون كبديل وخيار افضل، لما يحدث اليوم على الساحة الفلسطينية وينعكس على الوضع في المنطقة ككل؟ كيف يفسر هؤلاء عمليات الابادة المتصاعدة للشباب الفلسطيني، والقتل التدريجي المتسارع لعملية السلام التي لا يوجد ـ على الاقل في الوقت الراهن ـ بديل عنها ما دامت الحرب خيارا مستبعداً؟

واذا كان الانسان هو القيمة الاهم، فكيف اذاً يمكن للمرء ان يفهم المقامرة التي حدثت وما تزال، ويروح ضحيتها يوميا عشرات الفلسطينيين الذين يخوضون حربا غير متكافئة، ويواجهون آلة عسكرية اسرائيلية توجهها ادارة سياسية متطرفة، على رأسها شارون الذي لم يعرف منه العرب وربما لن يعرفوا ابدا غير يديه الملطختين بالدماء.. وهذا هو الوضع الذي قال لنا بعض مثقفي العرب وسياسييهم ذات يوم غير بعيد انه سيكون خيارا افضل.