شارون هو المسؤول

TT

يقول زئيف شيف المحلل العسكري الاسرائيلي المعروف بعلاقاته الوثيقة وبقدرته على الحصول على معلومات دقيقة حول المؤسسة العسكرية الاسرائيلية، بان قرارات اللجنة الوزارية الامنية المصغرة في اسرائيل يتخذها اثنان فقط من اعضاء هذه اللجنة: رئيس الوزراء شارون ووزير الدفاع بن اليعازر وهذا يعني بطبيعة الحال ان الذي يتخذ القرارات في هذه اللجنة المسؤولة عن الحرب والسلام هو آرييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي فقط.

واثر التصعيد الخطير الذي امر به شارون واستخدم فيه الاسرائيليون الطائرات الحربية من طراز ف ـ 16 (وهي الاحدث والاكثر تطورا) لضرب اهداف امنية ومدنية فلسطينية اعلن شارون بان اسرائيل ستستخدم كل الوسائل المتوفرة لديها لحماية مواطنيها.

جاء كلام شارون هذا تعقيبا على الادانة العالمية لاستخدام اسرائيل طائرات ف ـ 16 والصواريخ الثقيلة لتدمير عدة مواقع فلسطينية في الضفة الغربية مما ادى الى استشهاد عدد من الفلسطينيين وجرح العشرات. لقد سقط خلال هذا الاسبوع الاكثر عنفا منذ ان بدأ الجيش الاسرائيل اعتداءاته على الشعب الفلسطيني، اكثر من 16 شهيدا ومئات الجرحى. كما قررت اسرائيل في خطوة تصعيدية اخرى خلال هذا الاسبوع دخول بعض مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية والبقاء فيها لاسباب امنية. وبذلك يكون رئيس الوزراء الاسرائيلي قد رفع نوعيا وكميا مستوى الاعتداءات الاسرائيلية وخرق الاتفاقات المعقودة مع السلطة الفلسطينية بمشاركة الولايات المتحدة الاميركية.

وبالرغم من البيانات التي صدرت عن الخارجية الاميركية لتدين التصعيد وتطالب الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني بوقف اطلاق النار فورا وبدون شروط مسبقة، بالرغم من ذلك اعلن رئيس وزراء اسرائيل انه سيستمر في ضرب الفلسطينيين لحماية المواطنين الاسرائيليين ويتحدى شارون بقراره هذا الامم المتحدة بأسرها، التي ادانت قرار شارون بالتصعيد على لسان امينها العام كوفي عنان.

كما ان شارون تحدى بهذا الموقف الاتحاد الاوروبي الذي ادان التصعيد وطالب الحكومة الاسرائيلية بوقف الاعتداءات ووقف الاستيطان كليا. ان اي محاولة لتحميل المسؤولية عما جرى في الاراضي الفلسطينية للفلسطينيين او للرئيس ياسر عرفات والسلطة الوطنية الفلسطينية هي محاولة لخداع الرأي العام العالمي والاسرائيلي على السواء.

وسنحاول ان نشرح للرأي العام العالمي والاسرائيلي لماذا نحمل رئيس وزراء اسرائيل مسؤولية سفك الدماء الفلسطينية والاسرائيلية على السواء. لا بد ان نذكّر الادارة الاميركية ان اسرائيل احتلت الضفة الغربية (والقدس الشرقية) وقطاع غزة عام 1967. وقد يرى البعض في هذا الكلام تكرارا مملا. لكن الامر على ضوء تجاهل هذا الامر كليا، يصبح التذكير به ضروريا. فقد مضى على احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية 34 عاما. ولا نستغرب وجود مسؤولين اميركيين لا يعرفون نص القرار 242. فقد صاغت الولايات المتحدة عام 1967 قرار 242 الذي ينص على انسحاب الجيش الاسرائيلي فورا من كافة الاراضي التي احتلتها في حزيران من ذلك العام. كما انه من الضروري تذكير الادارة الاميركية بأن للولايات المتحدة موقفا واضحا من بناء اسرائيل للمستعمرات على الارض الفلسطينية التي احتلتها عام 1967. فانسجاما مع المواثيق والمعاهدات الدولية اعتبرت الولايات المتحدة ان بناء المستعمرات على الارض الفلسطينية المحتلة والارض العربية المحتلة هو عمل غير مشروع ويتناقض مع معاهدة جنيف وميثاق الامم المتحدة.

كما نذكر الادارة الاميركية بأن استمرار اسرائيل في احتلالها للارض الفلسطينية هو تمرد اسرائيل على قرارات الشرعية الدولية وان رفض اسرائيل تطبيق هذه القرارات هو امر يستدعي (بعد 34 سنة من الاحتلال) اتخاذ اجراءات دولية ضد هذه الدولة المتمردة على الشرعية الدولية. والتي تتصرف كأنها فوق القانون الدولي والشرعية الدولية والاعراف الدولية.

كما نذكر الادارة الاميركية بأن احتلال الجيش الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية ترافق مع مصادرة اراض فلسطينية وتهجير فلسطينيين من اراضيهم وتدمير بيوتهم واقتلاع اشجارهم المثمرة وتدمير محاصيلهم الزراعية. كما ترافق مع استغلال بشع للقوى البشرية الفلسطينية والتحكم بالاسواق الفلسطينية وبحرية الفلسطينيين في التعامل التجاري الحر مع العالم.

كل هذا يصب في تذكير الادارة الاميركية بأن هنالك احتلالا بالقوة واخضاع شعب باكمله لحكم عسكري محتل وحرمانا شاملا لهذا الشعب من حقوقه وحريته في العمل وبناء المجتمع وتنمية الاقتصاد. وهنالك قهر لارادة شعب بأكمله بمنعه من ممارسة حقه في تقرير المصير واقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على ارضه.

هذا هو العدوان وهذا هو جوهر الارهاب في الشرق الأوسط: الاحتلال الاسرائيلي بالقوة لاراضي العرب والفلسطينيين. وهذا هو مصدر العنف. ومن هذه الحقيقة وعلى اساسها نقوّم كافة التحليلات وتبنى المواقف حول من هو المسؤول عن سفك الدماء العربية الفلسطينية والاسرائيلية على السواء. وان اي موقف او تحديد للمسؤولية لا يستند لهذه الحقيقة يكون قد ابتعد تماما عن الدقة والموضوعية في تحديد الحلول.

اما في ما يتعلق بالتصعيد العدواني الذي بدأته القوات الاسرائيلية منذ ثمانية شهور وتستمر في ممارسته ضد الشعب الفلسطيني فهو محاولة اسرائيلية لفرض حلولها السياسية المستندة لرفضها تطبيق قرارات الشرعية الدولية. اي انها محاولة اسرائيلية عبر استخدام القوة العسكرية الهوجاء لاجبار الفلسطينيين على قبول اغتصاب اسرائيل لاراضيهم وعلى القبول بحرمانهم من حريتهم وحقهم في تقرير المصير وبناء دولتهم المستقلة. وهذا بحد ذاته عدوان همجي صارخ ويضرب عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية والاعراف الدولية والحقوق الاساسية للانسان.

هذا العنف الهمجي الذي تستخدمه الحكومة الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني لتركيعه واجباره على القبول بالاحتلال الاسرائيلي هو سبب جوهري للعنف. وبما ان محرك هذا العدوان هو الان آرييل شارون رئيس وزراء اسرائيل فان المسؤول عما ينتج عن هذا العدوان الذي يستخدم فيه جيش الاحتلال الاسرائيلي كافة اسلحة الدمار المتوفرة لديه (باستثناء القنابل النووية) المسؤول هو شارون.

وفي هذه الحالة فان الموضوعية تقتضي بأن يرى الرأي العام العالمي والاسرائيلي ان شارون الذي يتحمل مسؤولية شن العدوان على الشعب الفلسطيني، لا يتحمل فقط مسؤولية الدماء الفلسطينية المسفوكة، بل يتحمل مسؤولية الدماء الاسرائيلية المسفوكة عبر عمليات الدفاع عن النفس في الاراضي الفلسطينية او عمليات الدفاع الهجومي في اسرائيل.

انه هو المسؤول وليس الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للاعتداءات العسكرية الاسرائيلية الهمجية. وليست السلطة الوطنية الفلسطينية هي المسؤولة ولا الرئيس ياسر عرفات هو المسؤول.

من هذا المنطلق وحتى لا يظهر ان هدفنا هو تحديد من هو المسؤول فقط نقول: ان انهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية هو الذي ينهي العنف ويجلب السلام والامن والاستقرار لجميع دول المنطقة. دولة اسرائيل والدولة الفلسطينية وكافة دول المنطقة.

فالاحتلال الاسرائيلي هو مصدر عدم الاستقرار واللاامن واللاسلام. فمزارع شبعا، طالما بقيت محتلة ستبقى بؤرة للتوتر والتفجير اذ ان الاحتلال هو ممارسة للعنف والقمع.

وطالما ان ارض الجولان بقيت تحت الاحتلال فستبقى بؤرة للتوتر والتفجير لان الاحتلال هو ابشع ممارسة للعنف ضد الشعوب.

وطالما ان الضفة الغربية (والقدس الشرقية) وغزة بقيت تحت الاحتلال فستبقى ميدانا لاحتدام الصراع. فالاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية هو ممارسة العنف والقهر بعينهما. والاحتلال هو مصدر العنف الوحيد.

لذلك نعود لنشرح للادارة الاميركية بأن مصالحة الاورام والجراح لا تأتي الا من خلال علاج جذري لاسباب المرض الاساسية. والمرض في الشرق الاوسط هو الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية. واصرار الحكومة الاسرائيلية على التصرف البغيض والعدواني من دون مراعاة القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ورأي المجتمع الدولي بأسره.

ويجب القول هنا ان الاوضاع في الشرق الاوسط بلغت مستوى التفجير الاقليمي. وما لم تتحرك الولايات المتحدة بسرعة، فان سفك الدماء سيتسع، والمسؤول بطبيعة الحال شارون.

ان استخدام شارون لطائرات ف ـ 16 والقنابل الثقيلة العيار ضد اهداف مدنية في مدن الضفة الغربية هو المقدمة لمزيد من استخدام الآلة العسكرية الحديثة والمتطورة ضد الشعب الفلسطيني الاعزل وضد الشعب اللبناني وربما ضد القوات السورية مما سيشعل حريقا قد لا تتمكن الولايات المتحدة من اخماده بسرعة ان هي تأخرت في التحرك لوضع حد للاعتداءات الاسرائيلية الهمجية، والعمل على انهاء احتلال اسرائيل للارض الفلسطينية والعربية.