الجامعة العربية والساحة الأمريكية ملاحظات ومقترحات للأمين العام الجديد

TT

ما الذي يمكن ان تقدمه الجامعة العربية في الساحة السياسية والثقافية الامريكية والذي لا تستطيع تقديمه الدول العربية كل على حدة؟ وما هي اسهل الطرق والوسائل لتحقيق هذا الهدف؟ رغم كل ما لديَّ من اختلاف مع نظرة صامويل هينينجتون والتي ترى العالم مندفعا نحو صراع الحضارات، إلا انني اؤكد على ان اعقد المشاكل في علاقة العرب بالولايات المتحدة الامريكية، مرتبطة ارتباطا سياسيا بالرؤية الحضارية والثقافية تجاه العرب. ما من شك ان علاقات الدول العربية في صيغتها الثنائية مع الولايات المتحدة جيدة في بعضها او سيئة في حالة بعض الدول، لكن المشكلة تكمن في ان نظرة الامريكيين على مستوى الاعلام ومؤسسات المجتمع المدني لا تفرق بين مصر، والسعودية او سوريا او لبنان فكلهم عرب، في النهاية بينهم قاسم مشترك كالاسلام والعروبة والتي تختلف مع المسيحية واليهودية، وكذلك الانجلوسكسونية. باختصار قد تلوث النبع تماما فسمم الاعلام الجو في ما يخص كل ما هو عربي ولا بد من تنقية السياق الامريكي من معاداة العربية على مستوى الثقافة ومؤسسات المجتمع المدني والمدارس والجامعات.

بداية لا بد ان نعترف بأن تنقية هذا السياق لا تقع على عاتق دولة واحدة كمصر او السعودية، كما انه يجب ايضا ان نقر بانه حتى لو خلصت النيات وارادت اي دولة عربية ان تقوم بهذه المهمة بمفردها فإنها لن تستطيع الى ذلك سبيلا.

كان من اللافت للنظر ان اراقب امريكا اثناء حرب الخليج والتي كان فيها الشعب يطالب بالتفريق بين العربي المعتدي والعربي المعتدى عليه، كان منظرا غير مألوف للامريكيين وغير مريح ايضا للفئات المثقفة سواء كانت هذه الفئات يمينية او يسارية. عبرت عن هذا الخلط عبارة كانت مكتوبة على تي شيرت T- Shirt لبعض الطلبة في الجامعة اثناء حرب الخليج، كانت العبارة تقول «اذا كان هناك عربي خير، وكذلك عربي شرير، اقتلهم جميعا ودع عملية الفرز للرب». الامريكي لا يود ان يشرخ الصورة التي لديه تجاه العرب لانهم في نظره سيئون جميعا، وليترك عملية الفرز هذه للآخرة وللرب. في هذا السياق او المحتوى الثقافي المعادي للثقافة العربية، تبقى مهمة تنقية الجو الامريكي من هذا العداء السوقي والمبني على صور نمطية مسؤولية العرب جميعا، حتى يتسنى لسفاراتهم منفردة ان تؤدي عملها في جو فيه على الاقل بعض من اليسر على مستوى التواصل اليومي والخالي من التشويش المصاحب لمصطلحات الاعلام الجاهزة عن العرب.

هذا الدور ـ دور تنقية الساحة الامريكية من المصطلحات المعادية للعرب ـ يقع في المقام الاول على عاتق الجامعة العربية. يجب ان تضع الجامعة العربية بقيادة امينها العام الجديد السيد عمرو موسى علاقة العرب بالولايات المتحدة الامريكية على قمة اجندتها في المرحلة المقبلة، وما وضع العلاقات العربية الامريكية على قمة الاجندة بكاف بمفرده، لا بد من تطوير برنامج عمل الجامعة العربية للتعاطي مع صورة العرب في الساحة الامريكية والتي تلقي بظلالها على القضايا العربية الامريكية مثل موقف امريكا من ما يحدث من عدوان اسرائيلي على الشعب الفلسطيني، او تبعات الصور المسيطرة على الذهنية الامريكية على العلاقات الثنائية بين البلدين ـ فمثلا كان الشق الحضاري الثقافي واضحا في حالة مشكلة طائرة مصر للطيران والتي كان تفسير التكبير فيها او النطق بالشهادتين يحتاج الى خبراء لشرحه لوسائل الاعلام الامريكية، وكذلك لموظفي هيئة سلامة الطيران الامريكية، نفس المشكلة كانت اساسية في موضوعات تخص قضية قيادة المرأة للسيارة في حرب الخليج وكثير من الموضوعات التي يعرفها الجميع ولا داعي لتكرارها في هذا المقام.

النقطة الاساسية هنا هي ازمة الاستغلاق الثقافي لدى الامريكيين. وفيما يخص الثقافة العربية هي ازمة باقية وتحتاج الى علاج مكثف لا يكل ولا يمل، ولا تكفي السفارات العربية لعلاج هذا الامر. رغم اعجابي ببعض الدبلوماسيين العرب العاملين في الولايات المتحدة، إلا أن انجازاتهم على المستوى الثقافي والحضاري وتوغلهم في المجتمع الامريكي محدود، في بعض الاحيان بسبب قيود يفرضها عليهم العمل الدبلوماسي، وفي كثير من الاحيان لانهم قادمون من مناطق مختلفة ويحتاجون الى وقت طويل للتكيف مع الساحة الامريكية، وفي الاغلب والاعم تكون عملية التواصل الثقافي ليست من صميم مهنتهم، إلا اذا كان للسفير ميوله الثقافية الخاصة، او انه منتدب من خارج وزارات الخارجية. هنا لا اطالب بان يكون رئيس البعثة الدبلوماسية لأي من الدول العربية مثقفا ملما ولكن المطلوب ان يكون لديه فريق عمل يدرك أهمية استغلاق الثقافة العربية على الامريكيين ويحاول ان يفتح ثغرات في هذا المستغلق. في العالم المثالي تكون تلك مهمة المكاتب الاعلامية والثقافية للدول العربية في امريكا، ولكن ذلك امر شديد التعقيد، لان مهام هذه المكاتب في الغالب تكون محصورة في متابعات بحتة سواء ارسال تقرير عما كتب عن دولة ما في الصحافة الامريكية او متابعة طلاب الجامعات. وبالطبع هناك تفاوت في الاداء بين تلك المكاتب حسب امكانية الدولة المرسلة لهذه البعثات، فمنها من لديها مكاتب اعلامية وثقافية جيدة ومنها ما يخيل اليك اذا ما نظرت اليهم والى طريقة عملهم انهم يعملون في عاصمة زيمبابوي وليس عاصمة الدولة المهيمنة الوحيدة في النظام العالمي. لا يدركون اين هم ولا اهمية ما يجب القيام به. وليس هذا مقام نقد لاداء المكاتب الثقافية والاعلامية العربية في واشنطن.

في تصوري ان اول خطوة نحو تسهيل مهمة السفراء العرب في واشنطن هو تنقية الجو الامريكي من الجهل المطبق حول الحضارة العربية والدين الاسلامي، ويجب ان توكل هذه المهمة للجامعة العربية لانها مشكلة عامة ويتفق حولها الجميع بانها هي التي تقف عائقا امام التواصل الدبلوماسي العربي ـ الامريكي. ولكن المهم ليس ان يكون ذلك هو الهدف فقط ولكن يجب ان تكون هناك اجندة للعمل لتحقيق هذا الهدف.

ولمعرفتي بالامين العام للجامعة وثقتي بأنه لا يرفض الاقتراحات وخصوصا ان كانت هذه الاقتراحات لا تبغي إلا ان تنجح الجامعة بصورة افضل تحت قيادة الامين العام الجديد والذي يتمتع بقدرات تؤهله لنقل الجامعة نقلة نوعية، اقترح على سيادته ان يتعاون من خلال مكاتبه المختلفة مع كل المنظمات العربية الامريكية وهنا اعني كل المنظمات وان تسهم الجامعة ومكاتبها في التنسيق بين هذه المنظمات ودعمها حتى يكون العمل على مستوى القاعدة وليس على مستوى الصفوة فقط. كل المطلوب هنا هو شيء بسيط. ان يحاول الامين العام استغلال القدرات الامريكية العربية الموجودة، ولا يرسل الى امريكا موظفا قضى طول حياته في ردهات احدى وزارات الخارجية العربية، ليأتي إلينا ببرنامج يحاول تنظيم الجاليات العربية، وما اكثر هؤلاء.

وهنا سأكون صريحا مع الامين العام ـ ان بعض القادمين إلينا من الدول العربية والذين يحاولون تنظيمنا بناء على فكرة في رؤوسهم ـ يكونون في الغالب مثارا للضحك والغمز بعد خروجهم من أي اجتماع ولكن الحياء يمنعنا من الضحك في وجوههم.

العرب الامريكيون والمسلمون الامريكيون اكثر وعيا بمشاكلهم الداخلية وطرق تنسيقهم، والامين العام اثبت من خلال لقاءات مع الجاليات العربية انه شخصية يحترمها الجميع. اذن انا ادعو سيادتكم للاجتماع بالجاليات العربية فرادى ومجتمعة، والاقتراح عليهم باقامة ورش عمل تبحث سبل التنسيق فيما بينها للتصدي لحملات التشويه الخاص بصورة العرب في الثقافة والاعلام الامريكيين.

كما انني اقترح على الامين العام ان يطالب الدول العربية بتخصيص صندوق لدعم التفاهم العربي الامريكي من خلال الافلام والكتب والاحاديث والبرامج الثقافية. هناك مثلا مهرجان الفيلم العربي السنوي في واشنطن والذي غالبا ما تدعمه الجامعة العربية بمبلغ خمسمائة دولار ـ تخيلوا 500 دولار ـ هي ثمن عشاء لخمسة اشخاص في مطعم فاخر في واشنطن ـ هذا هو حجم الدعم العربي الحالي. خمسمائة دولار لتوصيل الفيلم العربي للامريكيين وتوضيح صورة العرب لهم على انهم اهل ثقافة وليسوا راكبي جمال في الصحراء.

يجب ان يرتفع هذا المبلغ الى 5 ملايين دولار سنويا حتى يتسنى للثقافة العربية بعض الانتشار. كذلك اقترح على سيادته الا يكون التركيز في العمل على الشمال الشرقي الامريكي فقط ـ امريكا ليست واشنطن ونيويورك، امريكا هي كل الولايات مجتمعة، لان لكل ولاية ممثليها في مجلس الشيوخ والنواب وجميعهم يؤثرون على العلاقات العربية الامريكية. ومن حسن الطالع ان النبع ليس ملوثا بدرجة كافية في ولايات الغرب او الوسط الامريكي، لذا يكون العمل هناك اسهل من العمل في واشنطن.

النقطة الاساسية هنا هي انه يجب ان نستفيد من تفعيل الجامعة العربية تحت قيادة امين عام يدرك اهمية الساحة الامريكية وتأثيرها في القضايا العربية، امين عام عمل ولفترة طويلة في امريكا ويعرف حجم المشكلة.

اتمنى ان تدرك الدول العربية اهمية الساحة الامريكية واهمية دور الجامعة العربية لردم الفجوة الموجودة بين العرب والامريكيين من حيث التفاهم الحضاري والتواصل الثقافي، كما انني اتمنى ان تدرك الدول العربية ان الجامعة العربية بالصورة التي اقترحها عليهم الانجليز في القرن الفائت لا تصلح لهذا القرن.

أما آن الأوان للجامعة العربية ان تصبح عربية بحق وتعيد النظر في كل هياكلها التي لم تعد مواكبة لا للعصر ولا لحجم الهموم العربية؟!.