دور جديد لجامعة الدول العربية!؟

TT

من الطبيعي، عندما يتسلم اي امين عام جديد، لأي منظمة اقليمية او دولية، مهام وظيفته، ان يعلن عزمه على اعادة النظر في حالة الادارة وهيكلتها، وعلى تفعيل دور المنظمة والعمل على تأهيلها لتأدية دورها وتحقيق غايتها. كما انه من الطبيعي ان يأتي بفريق عمل يثق به او يرتاح الى معاونته، وان يمارس وظيفته بأسلوبه الخاص وطريقته في التفكير والعمل. وهما، حتما، مختلفان عن اسلوب سلفه وطريقته في الوظيفة. وهذا ما فعله الامين العام الجديد لجامعة الدول العربية عمرو موسى، وصرح به، في اليوم الاول من تسلمه مهامه. بل هذا ما كان محتما عليه فعله، لأن جامعة الدول العربية بعد سبعة وخمسين عاما على قيامها، لا تحتاج الى اعادة نظر في هيكلتها والى تفعيل دورها فحسب، بل الى خلق دور جديد لها على ضوء ما آلت اليه اوضاع الامة العربية، بعد نصف قرن من استقلال شعوبها، وايضا، على ضوء التطورات المذهلة التي عرفها العالم في النصف الثاني من القرن العشرين.

ان الترحيب بهذه الدعوة وهذا الاستعداد لتنشيط جامعة الدول العربية امر مفروغ منه. ولكن نجاح الامين العام الجديد في تحويل هذه المؤسسة الاقليمية القومية، مما دأبت عليه، واستمرت الى منظمة تتوحد فيها، وبها، كلمة الدول العربية، وتعمل على توحيد اقطار الامة العربية وشعوبها، كما فعلت ، وتفعل، منظمات الاتحاد الاوروبي، فأمر آخر لا علاقة له بمواهب الامين العام او بنشاطه او بقناعاته، بمقدار ما يتعلق بالأسس والنصوص القانونية التي قامت عليها جامعة الدول العربية، بل على الواقع السياسي للدول والشعوب العربية ، والعلاقات بينها، وايضا، على التحديات التي جابهت العرب، اقليميا ودوليا. لقد واجه، عصمت عبد المجيد، اوضاعا مشابهة ـ ان لم تكن اصعب ـ للاوضاع التي ورثها الامين العام الجديد عمرو موسى. كانت الجامعة خارجة من تلك المرحلة الصعبة التي تلت معاهدة كامب دافيد وغابت مصر، كبرى الدول العربية، عنها. واصطدمت الجامعة، في اول عهد عصمت عبد المجيد، بحرب الكويت، التي كانت لها تداعيات سلبية خطيرة على وحدة الصف العربي. ولا داع لذكرها او تعدادها. ولا احد ينكر على الامين العام السابق جهده الفكري والسياسي، ومساعيه الدبلوماسية، لتفعيل دور الجامعة وتحقيق «المصالحة» بين الدول العربية او تصفية خلافاتها، بل يصح القول ان عصمت عبد المجيد اعطى لجامعة الدول العربية، في عهد امانته، دورا او سمعة او بريقا، يفوق البريق والدور والسمعة، التي اوصلتها اليها الخلافات والنزاعات والانقسامات بين الدول العربية الاعضاء فيها، وقد قام عبد المجيد بهذا الدور السياسي والدبلوماسي الناجح، بالرغم من كل الظروف والاوضاع التي فرضت على الجامعة تراجعها القيام بدورها في تجسيد وحدة كلمة الدول العربية وارادتها، ان لم نقل، حكمت عليها بالفشل او بالشلل او بالغياب.

ماذا يستطيع الامين العام الجديد للجامعة ان يفعل: اكثر مما فعل سلفه في الامانة العامة وفي وزارة الخارجية المصرية؟ وهل الظروف والاوضاع الاقليمية والدولية، اليوم، افضل ام اصعب، من الظروف والاوضاع التي مر بها العالم العربي، في التسعينات من القرن المنصرم؟ الجواب هو: كلا ونعم. في آن واحد. كلا، لأن الخلافات والنزاعات العربية ـ العربية، ما زالت قائمة ومحتدمة، في بعض الحالات، ولأن عملية السلام ما زالت عالقة، بل تعطلت. اما ميثاق الجامعة فمن الصعب جدا تعديله، كما ان العجز المالي في موازنة الجامعة صعب تغطيته نظرا لتراجع الطاقات المالية العربية، عما كانت عليه في التسعينات، وقبل حرب الخليج. ونعم، لأن في الجو العربي، اليوم، نوعا من الصحوة او اليقظة الحكومية والشعبية، تدفع في اتجاه توحيد الصفوف والكلمة بين الدول العربية، لمساندة الشعب الفلسطيني في انتفاضته ونضاله، وللوقوف في وجه الحكومة الاسرائيلية التي يرأسها شارون، وتهديداتها وتحدياتها.

كثيرة هي، اذن، المهمات والادوار التي يستطيع الامين العام الجديد للجامعة القيام بها او انجازها، لأن الوضع العربي العام، او «حالة» الامة العربية، تتطلب الكثير من المهمات والاعمال، لانتشالها من حيث هي واقعة او راقدة فيه. ولكن المعجزات في السياسة نادرة. بيد ان هناك اكثر من طريق او مجال امام جامعة الدول العربية، لتلعب الدور الذي انشئت من اجله. اهمها ثلاثة: العمل الاعلامي في الغرب، والعمل على تصفية النزاعات بين الدول العربية، ووضع استراتيجية قومية عسكرية واقتصادية واجتماعية عربية.

فالإعلام العربي في الغرب، رغم كل تقدمه او تحسنه، ما زال مقصرا في اقناع الشعوب الاوروبية والاميركية بعدالة الحقوق الفلسطينية والمطالب العربية. ولا بد من اقناع الدول العربية بتخصيص مائة او مائتي مليون دولار سنويا، للأعلام العربي في العالم، الذي يفترض ان تتولاه جامعة الدول العربية. اما تسوية او تصفية النزاعات العربية، فلا بد من انشاء محكمة عدل عربية عليا، على غرار محكمة لاهاي، تحتكم الدول العربية اليها لحل نزاعاتها. اما استراتيجية القومية العربية، المزدوجة الغاية : اي دفع الدول العربية الى الاتحاد او الى توحيد طاقاتها وامكاناتها، على غرار الدول الاوروبية، من جهة، والصمود والتغلب على التحدي الاسرائيلي، من جهة اخرى، فليس افضل من جامعة الدول العربية، مركزا لوضعها ومنطلقا لإقناع الدول العربية بتبنيها وتنفيذها.

ثمة مهمة رابعة باتت الاوضاع الدولية تفرضها، ألا وهي انشاء جهاز تنسيق دائم بين جامعة الدول العربية والمؤتمر الاسلامي، كخطوة اولى، تكتمل بمد هذا التنسيق نحو منظمة الوحدة الافريقية، ونحو الاتحاد الاوروبي، كخطوة لاحقة. ذلك ان الحلقات الاسلامية والافريقية والاوروبية، انما هي حلقات متواصلة بشكل طبيعي، بل حلقات مكملة لبعضها البعض، في اوضاع العالم الراهنة، وفي المستقبل.

لقد مرت جامعة الدول العربية، منذ نشأتها، بعدة مراحل، ترافق بعضها مع ولاية هذا الامين العام او ذاك، كما فرضت مراحل اخرى نفسها على عدة امناء. وليس سرا ان كل الامناء العامين كانوا مصريين (باستثناء مرحلة ما بعد كامب دافيد)، وان مصر، من خلالهم، كان لها التوجيه او التأثير الاكبر على توجهات الامين العام ودوره. كما اصبح لبعض الدول العربية الغنية تأثيرها غير المباشر على الامانة العامة بسبب التقديمات المالية التي ساعدت الامانة العامة على تحمل اعباء الادارة المالية وتغطية العجز الذي سببه تقاعس بعض الدول الاعضاء عن تلبية التزاماتها المالية. وليس من المنتظر حدوث اي تغيير كبير في هذه الاوضاع و الظروف المتحكمة بالامانة العامة، بعد مجيء عمرو موسى اليها. اللهم سوى ان الامين العام الجديد قد يكون اكثر تصريحات من سلفه، واكثر تصد للتصريحات والمواقف الاسرائيلية.

لقد جربت الحكومات العربية، اكثر من مرة، استبدال جامعة الدول العربية، بصيغ اخرى من التوحد والاتحاد، كانت اجرأها الوحدة المصرية ـ السورية. وبينما سارت الدول الاوروبية، المتعددة الاعراق واللغات وذات التاريخ الحافل بينها بالحروب، نحو الاتحاد بالتدرج، وعن طريق الاقتصاد، كان من نتائج قيام جامعة الدول العربية، وبعد نصف قرن ونيف، ما نراه، اليوم، من تفسخ ونزاعات وشبه حروب اهلية، تمزق العالمين العربي والاسلامي. الا ان صيغة الجامعة العربية، (مع بعض الرتوش الضرورية)، تبقى الصيغة الافضل والوسيلة الانسب لبناء مستقبل عربي قومي مشترك. لا سيما اذا اقتنعت الشعوب العربية بأفضليتها، واذا تخلت الحكومات العربية عن مصالحها القطرية الضيقة، وراهنت على مصير عربي مشترك، ترعاه الديمقراطية والحرية والابداع، وتأهل العرب للعودة الى المسرح الدولي، لا كمستهلكين محملين بالمال، بل كمشاركين في لعبة الامم وفي بناء حضارة الغد.