حضر رمزا وغاب مؤثرا

TT

قررت ايران على ما يبدو نزع اسم الاسلامبولي عن الشارع الذي سمي به. وصدر القرار عن بلدية طهران، لكن مثل هذه القرارات لا يمكن ان يكون «بلديا»، لا عندما يتخذ ولا عندما يلغى. واعتقد، من قبيل الظن لا من قبيل العلم، ان الدكتور مصطفى الفقي وكيل مجلس الشعب، لعب دورا في هذا الامر عندما حضر في العاصمة الايرانية المؤتمر البرلماني الاسلامي لدعم الانتفاضة. وكنا قد جمعنا في الكويت برنامج الزميل يوسف الجاسم (6 على 6) عشية المؤتمر. وسألت الدكتور مصطفى عن مدى الاهمية التي يعطيها لحضور مصر. وقال: لست اعرف بعد، لكنني واثق من امرين: الاول، ان مصر لا تستطيع ان تغيب عن مثل هذا المؤتمر، والثاني، ان سوء العلاقة بين القاهرة وطهران لا مبرر له ولا مسوغ. فمصر لم تحاول ولا تريد ان تحاول ولا يمكن ان تحاول فرض سياسة او موقف على دولة في حجم ايران، وفي المقابل لا يجوز لطهران ان تحاول فرض سياسة او موقف على دولة في حجم القاهرة.

ارادت الثورة الايرانية من اطلاق اسم الاسلامبولي على شارع طهراني، اعلان موقف ما من مصر. واتخذ ذلك الموقف فيما كانت الدول العربية ايضا في شبه عداء مع مصر. وبعد فترة ساءت العلاقة اكثر عندما صالح العراق مصر التي تزعم الحملة ضدها، من اجل ان تؤيده في الحرب مع ايران. وبرز عنصر «مضايق» آخر عندما اصبحت مصر عضوا رئيسيا في «اعلان دمشق» الى جانب سورية، بعد حرب الكويت. واعتبرت ايران وجود مصر «في الخليج» امرا معاديا لها، هي الدولة المجاورة والمطلة على المياه الزرقاء منذ الزمن.

وكان هناك، على الدوام، عنصر خفي آخر. فمصر تقف في معسكر الاعتدال الدولي والعربي وتقيم علاقات حسنة مع اميركا ولها معاهدة صلح مع اسرائيل، وهذه كلها مناقضة للسياسة الايرانية. وهكذا ظل اسم الاسلامبولي مرفوعا وظل العتب المصري قائما. فالاسلامبولي مدان من محاكم مصر باغتيال رئيس الدولة. ورئيس الدولة لم تتبرأ منه مصر بل اصبح نائبه هو الرئيس ايضا. والرئاسة في مصر صنو مصر. فهي ليست البرلمان ولا الحكومة، والحاكم ليس «الرئيس» بل هو «الريس» وقبطان السفينة. وعندما ذهب الضباط يبلغون فاروق بأن الجيش قد استولى على السلطة لم يفهم مخاطبته «بصاحب الجلالة» واداء التحية كأنه سيظل حاكما ابدا.

تطالب طهران في المقابل ان تنزع القاهرة اسم «بهلوي» عن احد شوارعها. والامر ليس صعبا على احد. فالشاه ليس جزءا من تاريخ مصر. ولا هو الخديوي ولا هو محمد علي. ولكن الفارق كبير بين اطلاق اسم رئيس دولة وبين اطلاق اسم قاتله. والتاريخ يرفض في بعضه لكنه لا يلغى. فالثورة الفرنسية جعلت قصور الحكم في قصور المُلك. والثورة الايرانية الغت مظاهر بيرسوبيلس وفحشها لكنها لم تهدم قصور التاريخ. والاسماء مجرد اسماء في اي حال. والمدن الاميركية استبدلتها بارقام او احرف. لكنها احيانا، الاسماء، تتحول الى رسائل متبادلة ورموز لحسن العلاقات او سوئها. حضر الاسلامبولي كرمز وغاب كمؤثر.