هل حقا التاريخ مع العرب وليس ضدهم؟

TT

يؤرخ للعصور دائما بأسماء تعرف بها، كالعصر الحجري، أو عصر البخار، أو عصر الذرة، أو عصر المعلومات والعولمة، والعصر الذي نعيش فيه لا يصدق عليه وصف آخر، اكثر من وصف عصر تشييع الشهداء الفلسطينيين، فإسرائيل التي يقل عدد يهودها والحركة الصهيونية العالمية المشايعة لها، عن عدد الحاصلين على الدكتوراه في العالم الاسلامي، تسخر من كل العالم، وتحسب أنها الوحيدة القادرة على قهر العالم، وتقتل كل يوم واحدا أو اكثر من خيرة ابناء الاسلام في دولة فلسطين التي تحتل جزءاً منها وتريد ان تبتلعها كلها، بل وتأمل ان تحتل العالم العربي من الفرات الى النيل احتلالا ماديا، وبقية العالم العربي احتلالا اقتصاديا وفكريا.

وبنفس صراحتي المعهودة، التي عبرت عنها، في صحف عربية من قبل، ناهيك من بحثي قبل قرابة عشرين عاما الذي القيته في مؤتمر حقوق الشعوب وهو مؤتمر عالمي عقد بالقاهرة، وكان موضوع بحثي حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، أقول بنفس هذه الصراحة لا اجد الآن سوى القول: ان التاريخ معنا، وليس ضدنا، وكل اصبع تدمى في سبيل تحرير فلسطين بعمل اجرامي صهيوني، سوف يكون له ثمن كبير، سيفوق جزء من المليون منه كل المحارق التي انصهر فيها الجسد الصهيوني.

واستطيع ان أزعم انه كلما ازدادت اسرائيل صلفا في تعاملها معنا، واستهانة بكرامتنا، وانتهاكا لمقدساتنا ـ وتأتي القدس في مقدمتها ـ غلى دم العروبة الأصيل في عروقنا، وأظهر لنا، أن باطن الأرض خير لنا من ظاهرها ان نحن خفنا من ملحدين ماديين، وجماعات ارهاب مرتزقة وعملاء استعماريين.

صيرورة الاحتلال اننا نمسك الآن بأعظم قواعد القانون الدولي العام المعاصر، وهي قاعدة الدفاع الشرعي في المجال الدولي La Defense legitime sur le plan inlernationale فمن احتل ارضنا لا يكسبها أبدا لأنه غاصب، ولقد اسقطت اسرائيل كل اتفاقيات السلام معها، ودفنتها في مستنقع العنصرية، واعطت العالم الاسلامي الحق المقدس في ان تستعمل حقها الاقدس في الدفاع عن مقدسات الله، فإما النصر وإما الشهادة، فلا قيمة لاجسامنا اذا عاشت مكبلة بأغلال الصهاينة، ولا قيمة لوجودنا، اذا عاملتنا دولة المرتزقة على اننا ثلة من الضائعين، والكم المهمل من عالم غير الواعين.

لقد حدث اعتداء على أرض فلسطين، ولا يوجد في القانون الدولي العام نص واحد أو عرف دولي Coutume inlernationale يقول بصيرورة الاحتلال Occupation عملا مشروعا acte licite، بل الحقيقة التي يعلمها كل الاسرائيليين، ان حكوماتهم عصفت بفكرة تقبلهم في ارض ليست ارضهم وتحت سماء ليست سماءهم.

ان الاسرائيليين هم أهل الجدل واللجج والتهوين والتهويل والاظهار والاضمار وإلباس النقيض ثوب النقيض، انهم زمرة من الحاقدين على الاسلام وعصابة من المناوئين للمسلمين، وجماعة من الارهابيين المنظمين، وما لم نبدأ من الآن بفكر جديد فسوف تستمر المعاناة، والفكر الجديد الذي أريد أن انبه اليه المسلمين يجب ان تكون له خصائص محددة هي:

1 ـ السرية: فكفانا ضجيجا اعلاميا وجعجعة مدفوعة الاجر من الصهاينة.

2 ـ الحركية: فلم يعد هناك بد الآن من ترجمة التفكير الاستراتيجي السري الى دستور حركي منظم.

3 ـ الايلام: فمن يدافع دفاعاً شرعيا عن عروبة تعيش عصر تشييع الشهداء الفلسطينيين لا يجب ان تكون ردوده تافهة أو غير مؤلمة.

4 ـ المبادأة: وذلك بالانتقال من مرحلة رد الفعل التافه الى مرحلة المبادأة.

5 ـ الاتساع: فلم تعد حربنا مع الصهاينة الذين يقتلوننا الآن هي حرب محدودة بالتراب المحتل وانما يجب ان نصعق الصهاينة برا وبحرا وجوا وفي كل مكان.

6 ـ الاستمرار: فلا تتوقف حركتنا ابدا لمجرد عروض وهمية أو كلمات هلامية، واقل ما نطالب به الآن عشرة أمور اكتفي بالمعلن منها:

أ ـ انهاء الاحتلال لكل شبر من الارض التي احتلها الصهاينة في الخامس من يونيو 1967م.

ب ـ التعويض للعرب والفلسطينيين بألف مليار دولار عن الأرض المحتلة وما حل بنا من ظلم وضيم.

ج ـ إنهاء الوجود النووي في اسرائيل انهاءً كليا حقيقيا بإشراف دولي وضمانات عالمية.

د ـ عدم التطبيع النهائي مع اسرائيل وابقائها ككيان دخيل علينا كما هي وحسبها انها تحتل اراضينا في ما قبل الخامس من يونيو 1967م بقبول مشروط بالتعويض السابق منا.

هـ ـ اقرار حق الدفاع الشرعي ضد أي تهديد بالعدوان من قوافل الصهيونية العالمية.

7 ـ الغموض: ويعني القيام بالعمل بشكل لا يمكن توقعه.

8 ـ التمويل: ويكفي البدء بعشرة مليارات دولار توضع في بنوك عربية وتستثمر ويؤخذ من ريعها كل عام مائة مليون دولار فضلا عن تسعمائة مليون من أصل المبلغ للانفاق على الحركات غير المنظمة لمحاربة العدو الاسرائيلي.

9 ـ المسؤولية: ويعني ذلك عدم التنصل من أي فعل هو دفاع شرعي مشروع.

10 ـ الجماعية في الحوار: فلا تتكلم دولة منفردة من دون العالم الاسلامي كله بعد الآن مع اسرائيل.

الضياع بين المذلة والخوف تأملوا أيها المسلمون هذه الخطة، وليس فيها حرف واحد مناف لشريعة الله، ولا لقواعد القانون الدولي، ولا للحقوق المشروعة للدول في ان تقوم فرادى أو جماعات، وفقا لميثاق الأمم المتحدة، في الدفاع الشرعي عن المعتدى عليه، ولقد جربنا ذلك ونجحنا في سحق العدوان العراقي على دولة الكويت ولسنا الآن اقل قدرة في اظهار قدرتنا.

ولكن سيقول قائلون: ان اسرائيل تدعمها قوى كبرى عالمية، لن تسمح بحدوث شيء من ذلك، ونقول: ان الدفاع الشرعي عن الحق اكبر من كل الدول الكبرى ولم يعد هناك الآن شيء اسمه الخوف، فمذلتنا اعظم من الخوف، ولكني رغم ذلك لا أقول بالاندفاع وانما اقول بالتخطيط الواعي والتفكير السديد، والتنفيذ متروك لمن يهبون انفسهم لله سبحانه وتعالى، وكلنا مجندون لخدمة عقيدة الله، ولن يقدح في ذلك اننا الان في الستين من عمرنا أو حولها، فهي اعظم سن يمكن ان ينال فيها عبد ثواب الله، خاصة بعد حياة لم نترك فيها اثرا يخدم مقدسات الله، فها هي ارواحنا فداؤك يا فلسطين في عصرنا الحاضر الذي ليس له اسم اخر سوى عصر تشييع الشهداء الفلسطينيين.

* أستاذ بالمعهد العالي للقضاء بالرياض ورئيس محكمة الاستئناف العالي وأمن الدولة العليا ـ بالقاهرة