الذكرى العشرون لمرض قاتل

TT

مرض يصيب 15 ألف رجل وامرأة وطفل كل يوم، راح ضحيته حتى الآن 2.3 مليون شخص من اكثر من 100 قطر. ويعاني منه حالياً حوالي مائة مليون شخص من كل انحاء العالم. واذا لم تتم محاصرته فانه يمكن ان يبيد أمماً بكاملها، كما كان يحدث في القرون الوسطى في ما عرف بالموت الأسود.

اننا نتحدث بالطبع عن مرض فقدان المناعة المكتسبة (الايدز)، الذي صادفت الذكرى العشرون لاكتشافه امس، فقد تم اكتشاف المرض اول مرة وسط مجموعات الممارسات الجنسية المثلية بكاليفورنيا عام 1980، ولكنه لم يوصف وصفاً علمياً دقيقاً ويسمى تسمية محددة إلا في ربيع عام 1981. ومنذ تلك اللحظة اصبح مركزاً للاهتمام العالمي، علمياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً.

كان رد الفعل الأول في منطقتنا هو الإنكار. فلم يكن مقبولاً ولا متصوراً ان تتأثر مجتمعاتنا المحكومة بالنظم الاخلاقية الصارمة بمرض ينتشر عن طريق الممارسة الجنسية المتهورة والمشينة! ولكن الحقيقة تعرف كيف تفرض نفسها في النهاية. وتعترف كل الحكومات الآن بأنها تواجه مشكلة انتشار الايدز في مجتمعاتها. واظهرت بعض الحكومات قدراً من الشجاعة ونفاذ البصيرة جعلها تواجه المرض بصورة معلنة للحد من آثاره على المجتمع.

كما كان رد الفعل الاول هو التأكيد أن الايدز مرض يخص اصحاب الجنس المثلي وحدهم، لذلك هو لعنة تنزل بأولئك الذين يتجاهلون «الحقائق الطبيعية» جرياً وراء اسلوب مغاير للحياة، ولكننا نعرف الآن ان المرض يمكن انتشاره عن طريق نقل الدم، كما يمكن ان تنقله الأم المصابة للجنين الذي في بطنها.

يمثل الايدز رمزاً جوهرياً لحياتنا وتعقيداتها ما بعد الحداثية. انه يمثل تركيبة معقدة من العوامل الاخلاقية والسلوكية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعلمية، تمازجت كلها وكونت هذه الظاهرة التي تفجر اعمق المشاعر والمواقف النافرة، ولكن الطريق العقلانية للتعامل معها، هي قبولها كواقع محزن، ومحاربتها بالوسائل العلمية والاقتصادية والسياسية، بدلاً من ردود الفعل العاطفية.

ولحسن الحظ، فان منطقتنا هي من بين اقل المناطق تأثراً بالمرض في العالم. وهذا ما يجب ان يدفعنا لدعم الجهود العالمية لمحاربة الايدز في اكبر القارات تأثراً، وهي افريقيا. وفي هذا العالم المترابط، الذي جعلت مواصلاته كل جزء فيه متصلاً بكل الأجزاء الاخرى، فانه سيكون من قبيل الانتحار ترك افريقيا السوداء تواجه التحدي وحدها.