إسرائيل تخاف الموت

TT

تعيش اسرائيل في حالة ذعر من النضال الفلسطيني، وقد زادت من معدلات الفزع بين الناس العملية الاستشهادية التي قام بها الشاب البطل سعيد حسن الحوتري عند مدخل مرقص باحدى ضواحي تل ابيب ليلة السبت الماضي 2 يونيو 2001م، ويقول الجناح العسكري لحركة حماس الذي اعلن مسؤوليته عن الواقعة الاستشهادية ان الخطة الموضوعة كانت تفجير الشاب لنفسه مع من حوله في داخل المرقص، لكن عملية التفتيش عند مدخل المرقص جعلت البطل سعيد حسن الحوتري يسرع الى تفجير نفسه قبل ان يصل الى نقطة التفتيش.

لم تأت نتائج ذلك الاستشهاد البطولي بقتل 20 شخصا وجرح 115 آخرين منهم من هو اقرب الى الموت من الحياة فقط، وانما نشرت الهلع بين الناس الذين يعتقدون بأن الموت يتربص بهم عند لفة كل شارع في كل حي من المدن الاسرائيلية.. وتؤكد التقارير الطبية التي تنشرها الصحف الصادرة في تل ابيب ان حالات الانهيار العصبي بين الناس قد زادت خلال الايام الماضية بمعدل الضعف عما كانت عليه قبل العملية الانتحارية، وان حركة التمرد بين الجند الذين يرفضون الذهاب الى القتال، اصبحت ظاهرة عسكرية تهدد بالانقلاب على السلطة التي لا تمتلك القدرة على قمعها، وان ثورة جماهيرية اندلعت في الشوارع الاسرائيلية تدعو الى السلام حفاظا على الحياة.

على الرغم من هذا الانهيار الاسرائيلي امام ضربات الكفاح الشعبي الفلسطيني، استجاب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات لضغط الرئيس الامريكي جورج بوش وطالب الشعب الفلسطيني المناضل وقف العنف وضرورة اخضاعه للسيطرة الكاملة، واستاءت الجماهير العربية في الوطن العربي كله من الكلمة التي اجبر على قولها ياسر عرفات، الذي كان في امكانه الرد على الضغط الامريكي بقول يوسف عليه السلام الوارد ذكره في القرآن الكريم «قال ربي السجن احب اليّ مما يدعونني اليه والا تصرف عني كيدهن اصبُ إليهن واكن من الجاهلين» صدق الله العظيم (الآية 33 من سورة يوسف)، حيث كان من الافضل لياسر عرفات البقاء في سجن الاقامة الجبرية التي فرضت عليه حفاظا على كرامته، من التفوه بقول يحط من مكانته امام الجماهير العربية المتعاطفة مع الانتفاضة الفلسطينية وترفض بشدة موقف ياسر عرفات المتناقض مع حق الشعب الفلسطيني المطلق في الكفاح والجهاد، في سبيل تحرير ارض الوطن من الاحتلال الاسرائيلي.

تجاوز قرار لجنة الفصائل الفلسطينية المقاتلة بتأكيده على مواصلة الشعب الكفاح والنضال ضد اسرائيل، انف امريكا ودون طاعة ياسر عرفات، لأنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» الذي يأمر بالقتال دفاعا عن النفس، وعن ارض الوطن استنادا الى ان «حب الوطن من الايمان»، وأكد هذا الاتجاه بيان حركتي حماس والجهاد الاسلامي بأن الشعب سيواصل كفاحه في الدفاع عن نفسه وعن ارضه الواقعة تحت الاحتلال الاسرائيلي، وفي الوقت نفسه حذر البيان من تهاون السلطة الوطنية الفلسطينية بالكفاح الوطني، ولكنها عاجزة عن الوقوف ضد هجمات استشهادية أخرى في داخل اسرائيل لوجود فجوة وجفوة بينها وبين الشارع الفلسطيني الثائر الذي سيواصل الاعمال الاستشهادية في اسرائيل، حتى تخرج من ارضه المحتلة وتوافق مرغمة على اقامة الوطن الفلسطيني، وعودة لاجئي 1948 و1967 الى ارض الوطن بدون شروط او قيود، والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة فلسطين.

أكد البيان الختامي الصادر يوم الاحد الماضي 3 يونيو 2001 عن المؤتمر الاسلامي المنعقد في القاهرة، حق الشعب الفلسطيني في النضال والجهاد من خلال انتفاضة الاقصى على اساس انه حق مشروع في كل الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية التي تعطي الشعوب شرعية الحرب ضد المستعمر لأراضيها، وقرر البيان بأن الامة الاسلامية تدعم الشعب الفلسطيني في جهاده حتى يحقق الانتصار على اسرائيل واجبارها على الخروج من ارضه المحتلة.

يحاول بعض انصار ياسر عرفات تبرير موقفه الاخير الذي يصف النضال الشعبي بالعنف ويطالب الشعب بوقفه فورا، بالحسابات السياسية ليوازن الموقف مع واشنطن التي ترى ضرورة وقف العنف الفلسطيني لبدء المفاوضات تمشيا مع ما جاء في تقرير لجنة ميتشل، غير ان هذه الحسابات السياسية التي تتحدث عنها السلطة الوطنية الفلسطينية تجاهلت بعمد التراجع الامريكي عن ما جاء في تقرير لجنة ميتشل عن المستوطنات اليهودية، الذي جاء على لسان وزير خارجيتها كولن باول بقوله: يجب عدم ربط قضية تجميد المستوطنات اليهودية بوقف العنف الفلسطيني مما يحول الاخذ بهذه الحسابات السياسية في اتخاذ القرار من السلطة الوطنية الى إسرائيل تحت المظلة الامريكية الجاهلة او المتجاهلة لحقيقة ما يحدث في فلسطين من احتلال ونضال، وبذلك تفاعلت القاعدة السياسية التي تقرر «من يخضع يقمع».

بدأت عمليات القمع الاسرائيلي نتيجة لقبول السلطة الفلسطينية للاشتراطات التي تطالب باتخاذ الخطوات العملية لتنفيذ التعهد بوقف العنف و حدد تلك الخطوات بثلاثة اجراءات، اولها وقف تحريض السلطة الوطنية للشعب الفلسطيني بمواصلة العنف ضد اسرائىل.. وثانيها قمع كل الاعمال الارهابية في الشارع الفلسطيني والاعمال الانتحارية في الشارع الاسرائيلي.. وثالثها اعادة اعتقال كل الارهابيين الفلسطينيين الذين اطلق سراحهم من السجون الفلسطينية لأنهم يقفون اليوم وراء كل الاعمال العدوانية ضد اسرائىل بالتخطيط الارهابي والتنفيذ له.

واضح ان اسرائيل تريد تحويل السلطة الوطنية الى جلاد للشعب الفلسطيني الثائر عليها لتفرض بذلك مسارات جديدة للحرب الدائرة حتى تصبح حربا بين الفلسطينيين في السلطة الخاضعة، وبين الفلسطينيين في الشارع الثائر، حتى تستطيع حكومة الوحدة الوطنية تحت مظلة هذه الحرب الفلسطينية ـ الفلسطينية اعادة ترتيب البيت الاسرائيلي الذي يحتاج اليوم تحت ضغط المعاناة اليومية بتوقف الحياة، الى هدنة تعيد التوازن بين السلطة، التي يواصل فيها ارييل شارون العمل العسكري ليحافظ على الائتلاف الوزاري الذي يشكل حكومة الوحدة الوطنية، التي يتصورانها قادرة على اقامة اسرائىل الكبرى، وبين الشعب الاسرائيلي المتمرد على مواصلة القتال والمطالب بالسلام ليرفع عن نفسه مواجهة خطر الموت الذي يهدده في كل ساعات الليل والنهار، وفي كل مكان بالبيت والمكتب والنادي والشارع.

لجأ ارييل شارون الى العمل على فرض الهدنة عن طريق الحرب الفلسطينية ـ الفلسطينية التي يخطط لها بتحريض السلطة الوطنية على قمع الشارع الفلسطيني بعد ان عجزت اسرائيل عن الوصول الى الهدنة عبر قناة القاهرة بالرفض، وعبر قناة واشنطن بالدراسة، جاءت محاولة الهدنة عن طريق القاهرة بزيارة الرئيس الاسرائيلي السابق عيزرا فايتسمان وحاول اقناع الرئيس المصري باستقبال رئيس الوزراء ارييل شارون في اطار قمة ثلاثية يحضرها ياسر عرفات، رفض الرئيس المصري، محمد حسني مبارك استقبال رئيس الوزراء الاسرائيلي في القاهرة طالما تواصل القوات الاسرائيلية عدوانها على الشعب الفلسطيني، وطلب ان تبدي اسرائيل حسن نيتها اذا ارادت التفاهم مع الفلسطينيين عبر مصر.. وجاءت المحاولة الثانية بالاقتراح الذي قدمه الرئيس الاسرائيلي، موشيه قصاب الى الرئيس الامريكي، جورج بوش، وطلب فيه عقد هدنة بين الفلسطينيين الذين يمارسون العنف وبين الحكومة الاسرائيلية التي تدافع عن نفسها، وحدد في اقتراحه يوم 4 يوليو من السنة الحالية بداية للهدنة المقترحة، واعلن المتحدث الرسمي باسم البيت الابيض بأن الرئيس جورج بوش يدرس اقتراح الهدنة الذي تقدمت به اسرائىل.

احذر الشعب الفلسطيني الثائر من مغبة الهدنة بالصياغة الاسرائيلية الجديدة التي تخطط بدفع الفلسطينيين الى محاربة بعضهم بعضا، واطالبهم بمواصلة الجهاد ضد اسرائيل مهما كانت الخلافات وحدتها بين السلطة الوطنية والشارع الفلسطيني، فالقضية اكبر بكثير من الخلافات لأنها تتعلق بمصير شعب يسعى الى تحرير ارضه واقامة وطنه ويبحث عن استقلاله، وهذا يفرض محاربة اسرائيل حتى الانتصار عليها.