جلوب باشا «أبو حنيك» وكلمة حق متأخرة..!!

TT

«اقسم كرجل انجليزي انني لم اقل الا الحقيقة» بهذه العبارة ختم جلوب باشا «ابو حنيك» الذي عايش العرب سنوات طوالا ولعب ادوارا مهمة في المنطقة كتابه «ازمة الشرق الأوسط»، الكتاب الصغير.. ولكن المراقبين في العالم يقولون بأهميته.. ولا بد ان نشير الى تسمية «ابو حنيك» بهذه الصفة.. فقد سماه العرب بذلك لميل في حنكه الاسفل.

وطبيعي فالكاتب رجل عسكري وداهية محنك.. واسلوبه اسلوب علمي لم يقلد فيه «فولكنر» ولا «جيمس جويس» وانما يعرض ببساطة متناهية وجهة نظره الشخصية.. ولعله بكتابه كرجل ساهم في الازمة اراد ان يخفف ما اثقل ضميره طوال سنوات عاشها بصمت.. في قريته القريبة من لندن.. وبمناسبة الحديث عن قريته تلك فقد زاره فيها قبل وفاته الشيخ المؤلف عبد العزيز التويجري ودار بينهما حوار طويل عن العرب «أورده» التويجري في كتابه رسائل اخاف عليها من الضياع. لقد مرت عليه الكثير من الايام وهو يسور مشاعره بما اتفق عليه ضمنا بأن تلك اشياء لا تقال.. حتى يجيء الوقت المناسب لقولها فقالها..! ولعل الفلسطينيين لم يكونوا في حاجة من قبل لكلمة حق مثل ما هم عليه اليوم.. «وقد وجدوا انفسهم في غمرة قضايا ليست هي قضية فلسطين.. ومشاكل ليست هي مشاكل النكبة.. وطرق وقنوات ليست هي طرق العودة. ان عيوب المواجهة العربية الفلسطينية مع العدو هي التبعثر والتشرذم..» لقد تكلم جلوب عن الهزيمة في حزيران وعن اسبابها وعن «اللعبة» الروسية ـ كما اسماها ـ في ايقاع العرب في الهزيمة ومساندتهم للحصان الخاسر.. وعن تشريد الفلسطينيين من ديارهم واحلال اليهود مكانهم.. ويتساءل الجنرال كيف نستطيع ان نقول في القرن العشرين بأن بشرا يجب ان يطردوا من بيوتهم رغم ارادتهم وان يساقوا كماشية من مكان الى آخر.. وهذا كلام رائع من رجل عرف يوما بأنه يد استعمارية..!! ولكن ماذا يجيء هذا الكلام المنصف.

ويؤكد جلوب عدم نجاح تكوين وطن قومي عربي يهودي على ارض فلسطين.. ويضرب مثالا على ذلك البلدان التي تجمع داخل حدودها اجناسا مختلفة من البشر مثل الولايات المتحدة واليونان في قبرص والانجليز في روديسيا والهنود والباكستانيين في كشمير.. الخ.. وهذه في اعتقادي نظرية وجيهة يقول بها هذا الرجل المسن. لكن هل نسي هذا الجلوب باشا ـ ان وعد وزير خارجيتهم بلفور هو الذي دمر هذا العالم العربي ـ والذي رعته حكومات بلاده انجلترا على امتداد تاريخها بكل قوة.

وعلى اية حال.. فانا احزن كلما اكتشفت ان هناك اصواتا منصفة وعاقلة لم تصلنا بعد.. والكتاب معقول جدا.. ولو انه لا يخلو من الخبث الانجليزي المعهود!!.

* كاتب سعودي