قدر باكستان ورئاسة مشرف

TT

عندما يقترب الجنرال من السلطة السياسية يستحليها، وعندما يتذكر ان الآخرين يريدونه مؤقتاً يتمسك بها ويطيح بالآخرين، وينسى انه ولفترة حاول اقناع العالم بأنه نوع آخر من القادة العسكريين. وهكذا، رغم ان الخطوة لم تكن مفاجئة تماماً الا ان توقيت اعلان الجنرال برويز مشرف حل البرلمان الباكستاني والمجالس المحلية، و«الاطاحة» بالرئيس رفيق ترار على اساس ان المجالس التي انتخبته أُزيلت من الوجود، كان لافتاً.

الآن الرئيس مشرف سيتوجه الى مؤتمر القمة في دلهي تلبية لدعوة من رئيس الوزراء اتال بيهاري فاجبايي، مزوداً، كما يعتقد، بشرعية اوسع وقدرة اعمق لاجراء مفاوضات حول كشمير. وكانت المعارضة الباكستانية، منذ اعلان الهند توجيه الدعوة الى مشرف، تلمح الى ان الجنرال غير منتخب وبالتالي ليس مفوضاً لبحث العلاقات الباكستانية مع الهند ولا يملك السلطة لاتخاذ اي قرارات تلزم باكستان مستقبلاً. الهند من جهتها اعلنت انها ستتعامل مع مشرف كرئيس دولة.

الرئيس ـ الجنرال، نسي الاشارة الى التزامه باجراء الانتخابات، وان كانت الاحتمالات تشير الى عدم تراجعه، لكن عندما ستجرى تلك الانتخابات ويتسلم رئيس وزراء جديد مسؤولياته، فعندها سيبقى مشرف رئيساً للدولة وقد يُدخل تعديلات في الاشهر المقبلة على صلاحيات الرئيس، بحيث لا يبقى مجرد «صورة» يختارها رئيس الوزراء. والرئيس الجديد، الذي اختار ان يبقى قائداً للجيش، تنتهي سنواته العسكرية في شهر اكتوبر (تشرين الاول) المقبل، وليس معروفا ما اذا كان سيمدد لنفسه ام سيسلم القيادة لنائبه ـ الذي عُين حديثاً ـ الجنرال مظفر عثماني.

المتفائلون يفسرون في تعيين مشرف لنفسه رئيساً لباكستان، بأنه جاد في البقاء في السلطة لانهاء المهمات التي وعد الباكستانيين بها قبل عام ونصف العام. وهو عندما ابلغ ترار الاستغناء عن خدماته كان التبرير ان الجنرال اقدم على هذه الخطوة لتنفيذ برنامجه الاداري وتحقيق الاهداف الوطنية، وهو كان وعد باخراج باكستان من الظلمة واستئصال الفساد وتحسين الأداء الاقتصادي المزري.

الغرب لم يرحب اصلاً بانقلاب مشرف العسكري رغم «بياضه»، لكن التنديد لم يكن قوياً لأن بديل الحكم العسكري، اي الاحزاب السياسية، فقد مصداقيته منذ زمن، ويمكن الآن كرد فعل لاستيلائه على الرئاسة ان تطالب دول الكومنولث بطرد باكستان بعد ان كانت علقت عضويتها، كما ان الولايات المتحدة قد تعمق علاقاتها اكثر مع الهند، انما كل هذا متوقف على مدى نجاحه الشهر المقبل في الاتفاق مع الهند لايجاد حل لمشكلة كشمير.

ثم ان الغرب قد يجد انه يحتاج مشرف رئيساً، كما احتاجه عسكرياً، فهو لم يخض حربا مع الهند عندما صار المسؤول الاول في باكستان، وحجّم من تأثير المجموعات الدينية التي تريد تحويل باكستان الى دولة اسلامية متشددة، وهو يتعرض الآن لضغوط من الغرب ومن اميركا بالذات لينهي دعم باكستان للطالبان في افغانستان، وقد يفعل، اذا ما جاء الاعتراف بشرعيته مدعماً بالمساعدات الاقتصادية.

لكن، تبقى باكستان ويبقى الخطر الذي تعيشه منذ استقلالها، ففيها يبدأ الرجال الطموحون حياتهم كجنود ثم يعبرون الخط الفاصل ويقفزون الى الساحة السياسية، فينتهي العمل بالمؤسسات الديمقراطية والسياسية. لقد عاد اليوم الى الذاكرة وبقوة الجنرال ضياء الحق، لكن مشرف قال انه من نوع آخر!