هل يتم فرض حل على الفلسطينيين والإسرائيليين؟

TT

ربح ارييل شارون الورقة السياسية الفلسطينية، بينما ربح ياسر عرفات الورقة الأمنية، في المرحلة الراهنة على الأقل، بانتظار التطبيق الفعلي للمقترحات الأميركية التي وافق الجانبان عليها، على زغل.

تندرج مواقف عرفات وشارون في المرحلة المقبلة تحت عنوان تطوير المقترحات الأميركية بما يخدم مصالح كل منهما. فلا ياسر عرفات قادر على ابتلاع المقترحات الأميركية، من توصيات ميتشل إلى ورقة جورج تينيت، مدير المخابرات المركزية الأميركية، وصولاً إلى الورقة السياسية التي طرحها المبعوث الأميركي الجديد وليام بيرنز، ويدرك شارون هو الآخر أن وقف إطلاق النار يعني الولوج إلى البحث السياسي مع الجانب الفلسطيني. وهذا الموضوع إذا فتح لا يعرف شارون إلى أين يقوده، خصوصا إذا استمر الأميركيون في عملية الدفع والدعم للعملية السياسية والأمنية بالتوازن.

ويدرك شارون ايضا، ان فتح الباب السياسي مع الجانب الفلسطيني، سيفتح المجال أمام بيريس للتقدم في العمل السياسي، وهذا ما لا يريده شارون، ذلك أن بيريس له الأجندة الخاصة به كممثل لحزب العمل، لا تلتقي بالضرورة مع طرح شارون، وما الخلاف الذي برز بين بيريس وشارون، اثناء إحدى جلسات الحكومة، سوى مؤشر لما هو مخبأ تحت الطاولة من نقاط اختلاف وتباعد بين الليكود والعمل وتصور كل منهما لمعالجة الموضوع السياسي. لقد كان واضحاً أن بيريس أصرّ على وجوب اعتبار ياسر عرفات شريكاً في العملية السلمية وأنه يجب الاجتماع معه والتحادث إليه، بينما أصر شارون على اعتبار أن عرفات لا يمكن الركون إليه والوثوق به قبل أن يتوقف اطلاق النار بشكل تام ونهائي.

ويذكر شارون جيدا أن ياسر عرفات يستطيع الإيفاء بوعوده إذا كانت الأمور تتجه نحو الحل، على قاعدة الدعم الأميركي والأوروبي، تماما كما حصل أثناء الاجتياح للبنان في العام 1982، حيث تمكن عرفات من الالتزام بكل الاتفاقات التي عقدت معه بواسطة وزير الخارجية الفرنسي في حينه كلود شيسون، ورئيس الحكومة اللبنانية شفيق الوزان ورعاية الولايات المتحدة ممثلة بمبعوثها فيليب حبيب ومساعده موريس دريبر، وعمل على إخراج القوات الفلسطينية من بيروت، بكل فصائلها، دون أن يتمكن أحد من معارضته أو اتهامه.

ويذكر شارون أن عرفات هو الوحيد الذي التزم بوقف إطلاق النار في لبنان عام 1981، عندما اتفق مع قائد قوات الطوارئ الدولية في حينه، وليام كالاهان، على وقف اطلاق النار من الاراضي اللبنانية على أن تمتثل اسرائيل لهذا القرار من جهتها، وهكذا حصل. ويتذكر شارون كيف منع عرفات يومئذ، بالقوة، أحمد جبريل عندما حاول خرق وقف النار الذي التزم به عرفات.

والمعرفة اليقينية بقدرة عرفات على ضبط الأمور، لا سيما ما ظهر منها أثناء فترة بنيامين نتنياهو، حيث لم يسجل أي عمل أمني ضد القوات الإسرائيلية أو في الداخل الإسرائيلي، تجعل من شارون يفكر جدياً في كيفية مواجهة الاستحقاق السياسي الذي يدفعه عرفات باتجاهه. ومن المعروف أن شارون لا يوجد لديه برنامج سياسي كذلك البرنامج الأمني الذي أعلنه أثناء الانتخابات. فما هي الحلول والمشاريع التي سيطرحها وكيف سيواجه الأميركيين في المراحل التطبيقية لاتفاقات سابقة، وهي اتفاقات تأخرت أكثر من مرة وبات تطبيقها هو المدخل الفعلي لأي حلول سياسية مع الجانب الفلسطيني، يؤسس لبناء الثقة ويشجع على المضي قدما في الحفاظ على الأمن.

والاعتقاد السائد أن شارون لن يعدم وسيلة في إعادة الكرة إلى الرئيس الفلسطيني، وهو سيسعى بكل جهد لإظهار الطرف الفلسطيني أنه غير قادر على الالتزام بمقتضى العملية السلمية. فاستمرار الانتفاضة، بنظر شارون، خرق لوقف إطلاق النار. والعمليات الانتحارية، خرق لوقف إطلاق النار، حتى لو تمت داخل مناطق الحكم الإسرائيلي. عدم إلقاء القبض على ناشطي حماس والجهاد، وعدم جمع السلاح من المنظمات الفلسطينية على اختلافها، وعدم الالتزام بالتعاون الأمني مع إسرائيل، بما في ذلك، التعاون المخابراتي حول الناشطين وإلقاء القبض عليهم قبل تنفيذ عملياتهم، كل ذلك يعتبره شارون خرقاً لوقف إطلاق النار.

ويريد شارون أن يجعل عرفات الشرطي الحامي للأمن الإسرائيلي دون أن يقدم له أي ثمن سياسي. فإذا لم يفعل عرفات، ولن يفعل، فإنه سيكون الملوم ويتحمل التبعات.

ويتمسك عرفات من جانبه بتوصيات لجنة ميتشل. فهي تركز على وقف بناء المستوطنات بما هي السبب الرئيسي لأي مشاكل أمنية. ولا تنص على وجوب إلقاء القبض على الناشطين المناهضين للاحتلال الإسرائيلي، ولا تقول بوجوب قيام عرفات بتحمل مسؤولية الأمن داخل اسرائيل، لجهة العمليات الانتحارية. كما أن التوصيات لا تشير بصراحة ووضوح إلى وقف أعمال الانتفاضة، بخلاف ورقتي تينيت وبيرنز.

ويدرك عرفات، الذي خبر شارون في أكثر من مواجهة أمنية وسياسية، أن اسقاط منطق شارون الأمني يعني اسقاطه نفسه من الحياة السياسية الداخلية في إسرائيل، تماما كما حصل مع مناحم بيغين، عندما اعتزل العمل السياسي بعد انطلاق عمل لجنة كاهان للتحقيق في مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982.

ومن واقع الأمور، وبفعل التعقيدات والتداخلات الحاصلة على الأرض، فإن عرفات يعرف أن المخرج السياسي الوحيد يقضي بالإصرار على إرسال مراقبين دوليين إلى مناطق التماس بما يضمن له بالدرجة الأولى الحفاظ على مناطق الحكم الذاتي ويجعل شارون في موقع حرج إن هو أراد إطلاق العنان لآلته العسكرية للتقدم باتجاه المناطق الفلسطينية، وبالتالي، تحت نظر ومسمع المراقبين الدوليين، كما ان عرفات يستطيع التذرع بالواقع الأمني الذي أوجدته قوات الاحتلال، مما بات من المتعذر عليه سحب السلاح من ايدي الفلسطينيين الذين يخشون على حياتهم، بعد التهديدات الإسرائيلية المتلاحقة والمتعاقبة بملاحقة نشطاء الانتفاضة واغتيالهم.

ان عرفات لن يخسر شيئا في أي عمل يقوم به ضد شارون وسياسته، فهو لم يعد يملك شيئا كي يخسره، باستثناء الورقة الأمنية التي يعتقد انها ستقوده الى الحل السياسي ومنه الى الدولة، وبالتالي لن يدع شارون يحقق نصراً عليه مهما كلفه الأمر. فالانتفاضة لم تنطلق لتقف لدى أول عملية انتحارية، ولن تقف عند أول ضغط دولي، لا سيما أن هذا الضغط غير متوازن. فما يطلب من حامل الحجر لا يوازي ما يطلب من صاحب المصانع العسكرية والآلة العسكرية المزودة بأحدث الوسائل التكنولوجية. لذلك فإن عرفات سيحاول الإمساك بالورقة الأمنية كي يحقق المزيد من المكاسب السياسية، سواء دخل شارون إلى المناطق الفلسطينية مجدداً أم لجأ إلى الطائرات والدبابات.

ولكي لا يضيع الضغط الدولي هذه المرة، مع بداية عهد الإدارة الأميركية الجديدة، كما ضاع غيره، فإن التوقعات تشير إلى احتمال قيام العواصم الأوروبية والإدارة الأميركية بالعمل على دراسة انجع الوسائل والسبل التي تكفل التقدم بالعملية السلمية بعدما لمس جميع هؤلاء ان ترك الأمور لعناصر الصراع والأطراف المشاركين، بشكل أو بآخر، لن يؤدي إلى الوصول إلى الخواتيم المرجوة. ولا جرم أن تجربة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، كانت المثل الأكثر بروزاً، على الرغم من كل الجهد الذي بذله والمساعي التي قام بها دون أن يحقق اختراقا يمكن البناء عليه أو الاعتداد به. لذلك فإن ما يدور حالياً في الأروقة هو دراسة فرض حل أمني وسياسي على الطرفين، يتبناه المجتمع الدولي ويمنح المنطقة هدوءا لبعض الوقت قد يطول عقدا أو عقدين من الزمان.