الكويت: فتح الباب لإنشاء الأحزاب

TT

يدور جدل ديمقراطي هذه الأيام في الكويت حول مسألة إشهار الأحزاب وتقنينها. وكما في كل مسألة: فإن مسألة الأحزاب في الكويت لها مؤيد ومعارض. المؤيد يرى أن إنشاء الأحزاب هو أرقى أشكال التنظيم البشري الذي يجمع الناس حسب معتقداتهم ورؤاهم السياسية بدلا من العلاقة الموروثة التي لم يكن للإنسان خيار فيها، مثل الانتماء الديني أو الطائفي أو القبلي أو ما شابهها، كما يجادل المؤيد بوجود سند دستوري وقانوني لوجهة نظره، ويدعمها بعامل براجماتي للتعامل مع الأحزاب علنا بقانون، بدلا من التعامل غير المقنن معها، الأمر الذي ربما يدفع الى تشكيل تنظيمات سرية قد تهدد الأمن الداخلي للبلاد مستقبلا.

أما المعارضون للأحزاب وإشهارها، فهم يستمدون التأييد لوجهة نظرهم من تراث سياسي عربي حديث ارتبط فيه مفهوم الأحزاب بالانقلابات والحروب الأهلية والتصفيات والاغتيالات وتشرذم المجتمع وتهديد وحدته الوطنية، وهؤلاء يرون في فتح الباب للأحزاب فتحا للباب على مصراعيه للدخول في صراعات واحترابات داخلية لا يعلم إلا الله عواقبها، ويحذرون من حساسية الظروف التي تمر بها المنطقة عموما والكويت بشكل خاص، إضافة إلى أن قراءتهم وفهمهم للدستور الكويتي حول هذه المسألة تختلف عن فريق تأييد إنشاء الأحزاب وإشهارها.

وهناك فريق آخر لا يعارض إنشاء الأحزاب من حيث المبدأ، ولكنه يعارضه توقيتا، فالترخيص للأحزاب الآن يعني الترخيص لتيار واحد فقط. وهؤلاء يرون أن إعلان الأحزاب في هذه المرحلة يعني ـ عمليا ـ إشهار الأحزاب الدينية وحدها، حيث يرى هذا الفريق أن القوة السياسية المنظمة والمقتدرة ماليا هي القوة الدينية فقط، فهي تملك المال والتنظيم والتمثيل النيابي ومنابر المساجد، بالاضافة الى عناصر تغلغلت في مفاصل حساسة في وسائل الإعلام الرسمية والأهلية، ويفسرون حماس التنظيمات الدينية واندفاعها للإعلان عن الأحزاب في هذه المرحلة تطورا طبيعيا لهذه التنظيمات التي انفردت بالساحة السياسية طيلة السنوات الثلاثين الماضية، بينما كان التحجيم والتضييق سياسة رسمية تتبعها الدولة ضد القوى الأخرى، وعليه فإن الفريق المناوئ للأحزاب يرى أن التوقيت يستهدف البقية الباقية من تجمعات وقوى ضغط وطنية وليبرالية، كما يرى أن الأحزاب الدينية لا تؤمن أصلا بالتعايش مع مثيلاتها فكيف يمكن لها أن تتعايش مع من يختلف معها منهجا وفكرا ويضربون المثل دوما بالسودان وأفغانستان.

الموقف الحكومي الكويتي الرسمي لا يزال متمسكا بالرفض المطلق للفكرة من أساسها، فهو يرى أن التنظيمات السياسية الكويتية بشكلها الحالي قابلة للترويض والأخذ والعطاء، أما تقنينها وإشهارها فذاك يعني ـ عاجلا أو آجلا ـ المطالبة برئاسة الحكومة كي تتمكن الأحزاب من تنفيذ وترجمة برامجها، الأمر الذي لن يتم تقبله بسهوله، ولذلك فمن غير المتوقع أن يتغير هذا الموقف الحكومي في المنظور القريب، خاصة إذا ما لمسنا أن الشارع الكويتي يتوجس خيفة من إشهار الأحزاب وعملها متأثرا بتجارب دموية قريبة في المنطقة، وعليه فإن الحكومة ترى أن رفض إشهار الأحزاب يستند لتأييد شعبي عارم.

يستمر الجدل والحوار في الكويت بين السلب والإيجاب حول مسألة إشهار الأحزاب، ولكن المؤكد أن الباب قد فُتح، وقد يصعب غلقه ثانية.